مشروع غامض تغلفه شعارات

موقع الحزب في لبنان، حدوده واضحة بعيون اللبنانيّين وقناعاتهم، إنه إبن الحسب والنسب، لا غبار على لبنانيته، هوية، وانتماء وأصالة، وليس في الأمر تشكيك او مبالغة. أما الموقع الذي يريده الحزب للبنان، ففي الأمر كلام مباح وغير مباح، وربما غير المباح هو الذي يطغى على الكلام المباح، حيث تكمن الأسرار والخبايا، والطموحات المشروعة وغير المشروعة، بعضها يأخذ بعين الاعتبار دور الشريك الآخر في الوطن، وبعضها الآخر يضرب بعرض الحائط كل هذه "المفاهيم السخيفة البالية"، لأن المشروع واضح، وطن على قياس طموحات الحزب، وطموحات الحزب أبعد من حدود الوطن، وأفقه، والشركاء مخيّرون في كلّ الأحوال والظروف بين أن يقبلوا بما يترك لهم، او الخيارات الأخرى المتاحة.

وللحزب مشروعه، وليس في ذلك افتئات او مزايدة، ولكنه غامض غموض الحزب وتحركاته وأهدافه، ولم يصل منه إلّا الشعارات التي تطلق في المناسبات، خصوصا في إطلالات سماحة السيّد التي تحفّز المخيلة الجماعيّة على التحليل، لاستنتاج الأهداف والمرامي التي يسعى اليها الحزب من خلال مشروعه السريّ حول أي لبنان يريد؟ وأي موقع ودور لهذا اللبنان الذي يريده؟!. بدأ ما هو مفترض أنه مشروع، تحت شعار المقاومة كحاجة وضرورة للدفاع عن الشريط الحدودي من الاعتداءات الإسرائيليّة، وسرعان ما تطوّر ليفرض المعادلة التي تقول:

"حيث المقاومة، لا يجرؤ الآخرون"، وكانت حرب التحرير في العام 2000، وتمكن الحزب بفضل هذا الإنجاز أن يتحوّل الى أيقونة تتدلى في أعناق غالبية اللبنانيين والعرب وسائر الشعوب التوّاقة الى التحرر من العبودية والظلم والاستعمار. وتطوّر المشروع في الـ 2006 ليفرض "توازن الرعب"، ودفع بإسرائيل ان تحوّل لبنان واللبنانيين الى حقل اختبار لفظاعاتها برّا وبحرا وجوّا وعلى مدى 33 يوما، خرج بعدها من تحت الركام رافعا شارات النصر؟!.

ولم يتوقف المشروع او يترنّح، بل تطوّر. لكن هذه المرّة باتجاه الداخل، وكان الهدف مصادرة إرادة اللبنانيين وخياراتهم، وكانت أحداث أيار 2008 التي انتهت الى مؤتمر الدوحة، وانتهى المؤتمر بالانقلاب على حكومته، وسائر المقررات الأخرى المرتبطة بالسلاح اللاشرعي وكيفيّة تنظيمه.

إنه مختصر لمسار طويل من مشروع غامض لم يصلنا من أبجديته سوى الشعارات الطنانة الحاضرة في كل مناسبة لانتزاع صمت الناس، وقبول الناس، ورضوخ الناس للأمر الواقع المفروض، او الذي يفرض عليهم، ولا حاجة هنا للتذكير بكلّ المآثر، ويكفي القول إن مشروع الحزب وصل لغاية الآن الى مرحلة مفصليّة أقل ما يقال فيها إنه بسلاحه يصادر الإرادات كلها رسميّة كانت او غير رسميّة، نخبوية او شعبيّة، لفرض الأمر الواقع الذي يريده على البلد، لكن هذه المرّة بذرائع مستهلكة غير مقنعة، وتفتقر الى الصدق والشفافيّة.

وما انتهى الى قناعة الغالبيّة من اللبنانيين عن المشروع انه لم يعد حكراً على لبنان والجنوب والجنوبيين والبقاعيين، ولا على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، إنه أبعد بكثير من لبنان، قياساً للشعارات المتداولة التي تبدأ باقتلاع إسرائيل، وإعادة فلسطين الى أهلها، وصولا الى تحرير العالم العربي والإسلامي من الهيمنة الأميركيّة، والانطلاق بعدها الى بلاد السند والهند وكل ما تنطوي عليه الفتاوى المقدّسة من أهداف ومصالح، علماً بأن الشعارات هنا جاهزة غب الطلب، للتبرير، وتغطية التدبير.

ويبدو المسار الذي انتهجته الطائرة من دون طيار، والذي تبسّط سماحة السيّد في شرحه من على الشاشة الصغيرة، من أوضح المسارات بعداً وهدفا وغاية. ولم يترك الإيرانيون الفرصة لسماحته كي يتغنى بهذا الإنجاز، إذ سرعان ما خطفوا منه الوهج، وأعلنوا: "الطائرة لنا ومن صناعتنا، وقد أحسن "حزب الله" في ان يؤدي ما طلب منه على أكمل وجه".

قبل فترة أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي الجعفري أن ملائكته موجودة في لبنان "الميدان والجبهة"، وحاول رئيس الجمهورية أن يستوضح، فضجّ الأفق استنكارا وتكذيبا وتعليلا… في الأمس القريب ذاب الثلج وبان المرج، واتضح أن ملائكة الحرس الثوري ليست موجودة فقط في لبنان، بل تقوم بإرسال طائرات من دون طيّار باتجاه إسرائيل تحت عباءة "حزب الله"، ويبدو أنها عباءة واسعة، وتملك القدرة على الاستيعاب، وتغطية السماوات بالقبوات.

للحزب مشروعه من دون أدنى شك، وهو يعرف جيدا ماذا يريد، ولكنه يخطىء حتما إذا كان يعتبر من خلال مشروعه، بأن لبنان ليس وطنا، بل مجرّد حقل تجارب؟!.

السابق
نتانياهو: نقل دمشق الاسلحة الكيميائية الى حزب الله سيجبرنا الى شن عمل عسكري
التالي
تستحم 25 مرة يوميا فخسرت عملها