غيضٌ من فيْض…

المال السائب يعلّم الناس الحرام. هذا المثل لبناني الأصل والفصل بلا أدنى ريب، وواقعيّاً، وعلى عينك يا تاجر.
والبلد السائب، كمثل تسيُّب لبنان، يعلّم الناس كل ما هو حرام، فضلاً عن القفز فوق الدولة المحبوسة في الاقامة الجبريّة، ومعها المؤسسات والسلطات والقوانين في شتّى الحقول والميادين. وعينك بنت عينك:
من الأمن على مستوى البلاد والعباد والحدود والداخل أيضاً، الى بعض الادارات شبه السائبة والتي ينخرها الفساد، إلى جمود الحركة الاقتصادية، المعيشيّة، السياحيّة، جموداً تاماً مدمّراً.
لِمَ نذهب بعيداً ونغرق في توصيفات باتت من العناصر الأساسيّة في صحن الفولكلور اللبناني، بحثاً عن أمثلة متطابقة مع هذا الوضع العفن الذي يُضرب به المثل؟
فالتحقيقات الفضائحية التي بثّتها بالصوت والصورة محطات تلفزيونيّة مجتهدة، وتناولت عَبْرها تفاصيل ما يحصل ويحدث ويصير في إحدى الادارات الأساسيّة، والتي تدخل وتخرج منها وإليها بضائع بمليارات الدولارات، والتي تشرف على الجمارك… يطرح السؤال: أين تصبُّ هذه المبالغ الضخمة، والى أيّة خزائن تتوجّه؟
حتماً، ليست خزينة الدولة واحدة منها كما تقول هذه التحقيقات التي يُفترض أن تحرّك على الأقل فضول حكومة النأي بالنفس، وتدفعها الى فتح تحقيق في هذا الصدد، إذا أُتيحت لها الفرصة وسمحت لها الدويلات المعنيّة مباشرة بهذا الكنز الذي لا علاقة للقناعة به.
لكن التسيّب ليس حكراً على هذا المرفق. فالفلتان يكاد يكون هو السمة التي باتت "تميّز" لبنان هذه الأيام. أي لبنان الدويلات والمربّعات والمخمَّس مردود، والطائرات البدون طيّار.
ومَنْ لا يعجبه، فليدقّ رأسه بالحائط. وبالعربي المشبرح.
فضائح في كل مكان. في كل شيء. في كل حَدَث. في كل مفاجعة. فالى متى هذا العبث وهذا الاستهتار بالدولة والمؤسّسات والنظام والمواثيق والصيغة والتركيبة؟
والى متى سيبقى لبنان الرسمي، لبنان الدولة، لبنان الشرعي، مخطوفاً، ومخطوف القرار والكلمة والرأي؟
والى متى تبقى الدويلات هي التي تقرّر، وتُقْدم، وتنفّذ، وتقرع طبول الحروب، وترسل التهديدات… وكأن لا دولة لبنانية هناك، ولا حكومة، ولا جيش ولا مؤسّسات أمنيّة وسياسيّة ورسميّة، ولا مرجعيّات، ولا فئات، ولا طوائف أخرى، ولا مَنْ يَسألون أو يردّون.
هذا قليل من كثير، وغيضٌ من فيضْ.
فاذاً، لنضع هذه الجبال من الفضائح جانباً، ولنفتح ملف الاستحقاق النيابي وقانون الانتخاب الذي تريد كل فئة تفصيله على مقاسها… وإلاّ فلا كان قانون ولا كانت انتخابات.
هنا الحكاية الجديدة. وقد جاهر الرئيس نبيه بري بالحقيقة: إما قانون انتخاب "طازة" وإما لا نتخابات !

السابق
لافروف: الأسد لن يرحل أبداً..وطهران لفترة انتقالية بإشراف الاسد
التالي
كلينتون: أنا المسؤولة عن هجوم بنغازي