طائرة أيوب والأبعاد المخفيّة

شكّل تبنّي المقاومة استخدام طائرة بدون طيار منعطفاً جديداً في سياق الحرب الساكنة منذ انتهاء حرب تموز 2006 . فهي أعادت التأكيد على دوام المقاومة من حيث جهوزية التعامل مع العدو، واستمرارها في العمل على تطوير ذاتها وأدواتها، وبالتالي قدرتها على المبادرة وتحقيق المفاجأة في المكان والزمان المحدّدين .
لم يكن الحصول على الطائرة كسلاح جديد في ترسانتها هو المقصود ، فلقد سبق للمقاومة أن استخدمت هذا السلاح من قبل خلال الحرب السابقة، وإن بتقنية أقل من التقنية المتاحة حالياً. وليس هو بسلاح بعيد عن متناول الجيوش العربية الأخرى بما فيها الجيش اللبناني. وليس هو بالسلاح الذي يعتبر تفوقاً في الكم والنوع على العدو، إنما تكمن اهميته في الاستخدام المستند الى إرادة الانتصار .

لا شك من أن استخدام الطائرة من دون طيار من قبل المقاومة فوق فلسطين المحتلة في ظل سيطرة جوية مطلقة للعدو « الاسرائيلي « ، وفي ظل اعلاناته المتكررة عن تطوير دفاعاته الجوية وتحديثها، وفي ظل غياب كامل للجبهة المواجهة ، وحتى في ظروف تداعي الإمكانية المعوّل عليها في الجبهة المصرية، يعتبر حدثا استثنائياً في ظرف استثنائي .

يحمل هذا الحدث كثيراً من الدلالات والرسائل الداخلية والخارجية، الإقليمية والدولية. فهو يردّ ميدانياً على الجعجعة المستمرة لقوى 14 آذار، بأن سلاح المقاومة باق ما بقي الاحتلال، وبأن المراهنة على أميركا و»إسرائيل « في المعارك الداخلية لا يفيد ، وبأن الاستكانة الى المراقبة والحماية التي تقدمها القوات المتعددة الجنسيات في الجنوب لا يمكن الركون اليه ،خاصة بعد تصريح الناطق باسم هذه القوى بان الطائرة لم تنطلق من لبنان على عدم صدقية السيد حسن نصرالله في كلمته التلفزيونية. وهو يجاوب دولياً، على أن الحرب على سورية هي حرب بحّدها الأدنى إقليمية، وبالتالي أن جبهات غير الجبهة السورية ستشتعل بكل الوسائل المتاحة وبقدرات وإمكانات غير متوقعة . وهو يجاوب العدو «الإسرائيلي» أيضا بأنه ليس الوحيد على الساحة الذي يمتلك القدرة عل استغلال الوضع الضائع قبيل الانتخابات الأميركية وميعان القدرة على اتخاذ القرار في هذه الإدارة.

تقنيّا، يتعدى هذا الحدث الرسائل السياسية الى مسائل ذات علاقة باللوجستية والتكتيك. وهي مسائل غاية في الاهمية لناحية القدرات الفنية وامكانية الاخفاء والتمويه . فلم يكن الاخفاء فقط في استحضار الاجزاء وتركيبها رغم اهميتها، لكن أيضاً على مستوى الاستخدام التكتي وهو الاهم، فسلوك الطائرة مسارات غير ممسوكة من قبل العدو يعطي المقاومة ارجحية المعرفة بمكامن الضعف لديه والتعامل معه انطلاقا من هذه الثغر وصولاً الى اقصى جنوب فلسطين وتهديد مفاعل « ديمونا « ، وهي قمة العمل التكتيكي من حيث الجرأة العقلانية المقرونة بالجهد .

ان امتلاك المقاومة هذا النوع من السلاح يؤسس لنقلة نوعية في الحرب المقبلة، فاذا كانت الدول عادة تحضّر للحرب السابقة، إلا أن المقاومة وعبر هذا العمل فتحت باباً جديداً على مستقبل الصراع ، والإمكانات أصبحت مشّرعة أمامها لإدارة حرب الكترونية بنهج ونمط جديدين، وامتلاك قدرات الهجوم الالكتروني، والقدرة على الاستطلاع والاستعلام الحي والتعامل مع اهدافها بشكل فوري. كذلك امتلاكها القدرة على التعمية والتشويش، في ما خص الدفاع الجوي بفتح الثغر امام الصواريخ البالستية لتحقيق أكبر قدر من الاصابات في أهدافها. انها امتلكت في اختصار القدرة على التعامل مع البعد الثالث في العمليات بعدما حققت إنجازات في البعدين البحري والبري على المستوى الدفاعي .

يبقى ان نقول كلمة للقوى المتواطئة مع المشروع الأميركي، وللدولة اللبنانية. على قاعدة الافتراض ان طاولة الحوار توصلت الى تسلم الدولة سلاح حزب الله، وهو بالطبع أمر غير متيسر حاليا وغير مقبول على الاطلاق . فهل تمتلك هذه الدولة الجرأة على استخدام هذا السلاح مثلما تستخدمه المقاومة؟ بل هل تمتلك هذه الدولة الارادة وحرية القرار لاستخدام هذا السلاح في وجه «إسرائيل»؟
أسئلة برسم المتشدقين الذين يعرفون أننا نمتلك ما تمتلكه المقاومة من سلاح ولكننا لا نملك النية ولا الارادة ولا الجرأة ولا القرار بالدفاع عن حقوقنا وأرضنا وثرواتنا .
إن التاريخ لا يرحم، وإن التاريخ سيكتب بدماء المنتصرين.
  

السابق
نقدٌ لنظام يضعف ومسايرة لحزب قوي
التالي
الكشف عن خطّة أميركية لقلب النظام السعودي ينفّذها بندر !!