رومية وكرٌ للقاعدة

تحوّل سجن رومية المركزي إلى معسكرٍ تدريبي لسجناء فتح الإسلام. يعتكفون فيه كبقعةٍ تخضع لسلطة الدولة ظاهراً، تحوّلت بغطاء سياسي إلى إمارة يُفرض فيها شرعهم بالقوة. هنا يمتلكون القوة والسلاح وحرية إصدار الفتاوى والتواصل مع ساحات الجهاد. وهنا يعدّون العدّة لمرحلة ما بعد السجن

في حضرة سجناء «فتح الإسلام» في سجن رومية المركزي، يُقام «حدّ الله» على باقي السجناء، لكنه حدٌّ شرعي مفصّل على قياس «الفتحاويين» وخاضع لأهوائهم. هنا تُفرض الكفّارة على النزلاء درءاً للعقوبة ويُجلد المخطئ المكرّر. وهنا يُحلق شعر رأس من يتفوّه بالكفر، إذلالاً بعد تلقيه جزاءه من الضرب، ويُرغم المسيحي والشيعي على دفع جزية مالية يأمن بها على نفسه من الأذى. وهنا أيضاً، غرف تعذيب وتحقيق واحتجاز لا يسلم منها حتى أبناء الطائفة السُّنية أنفسهم من أولئك الذين يخالفونهم في الرأي. لست في إمارة إسلامية، أنت هنا في أكبر سجون لبنان الخاضع لإمرة الدولة اللبنانية في الشكل، لكنّ ضباطه وعناصره ومئات السجناء فيه يخضعون ويأتمرون لسلطة 88 سجيناً إسلامياً ينتمون إلى تنظيم فتح الإسلام الأصولي الذي كلّف الجيش اللبناني 168 شهيداً ومئات الجرحى والمعوّقين من ضباطه وجنوده في معارك مخيم نهر البارد الذي دُمّر تدميراً شبه كامل، وهُجّر أهله الذين لم يعودوا إليه جميعاً بعد. يشار إلى أن عدد سجناء فتح الإسلام، بحسب إحصاءات القضاء ووفقاً للمجلس العدلي، يبلغ 88 سجيناً، لكن مجموع الموقوفين في هذه القضية يتجاوزون الـ 250 سجيناً إسلامياً.

عداء سجناء فتح الإسلام وأذاهم لا يتوقف على سجناء الطوائف الأخرى أو المسلمين السنة من غير الملتزمين، بل يطاول بعض السجناء الإسلاميين أنفسهم؛ إذ لم يسلم منهم حتى أحد أبرز رموز السجناء الإسلاميين الموجود في السجن منذ أكثر من 15 عاماً. فقد حاول سجناء «فتح الإسلام» ذبحه بعدما أهدروا دمه لأنه وقف ضدهم معارضاً الممارسات التي يقومون بها.

 
وُلدت المشكلة في الطبقة الثالثة من مبنى الموقوفين، المعروف بـ«المبنى ب»، الذي يتألف من ثلاث طبقات. الطبقتان الأولى والثانية منه مختلطتان طائفياً، لكن النزلاء في الاثنتين يخضعون لإمرة الطبقة الثالثة التي يتكتل فيها سجناء فتح الإسلام مشكّلين قوة ضاربة، وتتجنّبهم إدارة السجن حتى. هم الأقل عدداً، لكنهم الأقوى بدنياً ولوجيستياً، ولا سيما أنّ مصنع السجن موضوع بتصرّفهم، وفي متناول أيديهم يتوافر «الجلخ والصاروخ» اللذين يمكّناهما من تصنيع السلاح الأبيض كالسيوف والخناجر والسكاكين. كذلك فإن أبواب طبقتهم مشرّعة منذ تمرّد السجناء الأخير، ما يُسهّل حركتهم وانتقالهم وتواصلهم في ما بينهم. وإذ يشير أحد الضباط الذين خدموا في سجن رومية إلى استحالة احتوائهم إلا بهذه الطريقة، يوضح أحد السجناء الإسلاميين لـ«الأخبار» أنّ «الخصوصية الممنوحة لسجناء فتح الإسلام ليست مفروضة. بل هي ممنوحة بإذن. وهناك جهة أمنية سياسية راضية عن تصرفهم». ويردف آخر قائلاً: «كل واحد يقتل جنود الجيش يتوجّب ويتدلل. دولتكم بذلك تقول لنا اخرجوا واقتلوا عناصر الجيش لتكرّموا وتحصلوا على معاملة خمس نجوم». هكذا يسترجع أحد السجناء محاولة القوى الأمنية نقل أربعة سجناء من فتح الإسلام من طبقتهم السنة الماضية عقب الانتفاضة الأخيرة إلى أحد المباني، فيذكر أن الشبان اعترضوا، ولمّا استُدعي عناصر من فرقة الفهود لنقلهم بالقوة، حصلت مواجهة «سيطر بنتيجتها عناصر فتح الإسلام على العناصر الأمنيين وجرّدوهم من عُصيّهم ثم ملابسهم ودفعوهم إلى باحة السجن كما خلقتني يا رب».

المسألة لا تنتهي هنا. فالهواتف الذكية المتوافرة بأيدي السجناء عامة وأجهزة الكمبيوتر المحمول الموجودة حصراً في أيدي السجناء الإسلاميين، وتحديداً عناصر فتح الإسلام، تسمح لهم بنشر البيانات في المنتديات الجهادية. ويتردد أيضاً أنهم يوجّهون عبر شبكات الإنترنت بعض الخلايا المتطرفة التابعة لهم ويُصدرون أوامرهم التنظيمية لها. ليس هذا فحسب، تؤكد معلومات خاصّة لـ«الأخبار» أنّ فتوى قتل السجين الفار وليد البستاني برصاصتين في الرأس، صدرت من سجن رومية المركزي، وتحديداً من أحد مشايخ فتح الإسلام الذي كان على خلاف شديد مع البستاني. وتشير المصادر الإسلامية إلى أن الشيخ المذكور كان قد أعلن هدر دم البستاني عندما كان في السجن. (نُشر فيديو مصوّر يُظهر محاكمة السجين الفار البستاني وقتله في تلكلخ في سوريا).

وفي الإطار نفسه، رغم محاولة وزير الداخلية مروان شربل وبعض الأمنيين التقليل من أهمية الفارّين الثلاثة وخطورتهم، إلّا أن المعلومات المستقاة من بعض سجناء فتح الإسلام تؤكّد أن اثنين منهم يعدّان من أبرز القياديين في التنظيم الأصولي، فيما كان الثالث مقاتلاً عادياً. فالسجين الفار محمود فلاح، المعروف داخل السجن بـ«أبو سمية»، الذي كان يُعرف أيام معارك نهر البارد بـ«أبو بكر الشرعي»، يُعدّ المرشد الروحي لتنظيم فتح الإسلام. أما السجين الفار الثاني، فيصل العقلة، المعروف بـ«أبو شعيب»، فيُعدّ من أخطر العسكريين في فتح الإسلام، باعتباره كان قائداً ميدانياً خلال المعارك مع الجيش اللبناني. أضف إلى ذلك، كان السجينان المذكوران عضوين في اللجنة الشرعية التي تُصدر الفتاوى في السجن، علماً أنها تتألف من ستة أشخاص يبرز بينهم، إضافة إلى أبو سمية وأبو شعيب، كل من القيادي أبو سليم طه وحسام معروف وأبو عبيدة. وإذ يبرز بين أسماء رموز فتح الإسلام الحاكمين في السجن السجين خالد ملكة المعروف بـ«أبو الوليد»، إلا أن سجناء إسلاميين يؤكدون أن الأخير ليس سوى واجهة.

في موازاة ذلك، تناقل السجناء في رومية مقطع فيديو يظهر فيه قتيلين ممددين على الأرض. وقد تعرّف سجناء إسلاميين إلى هوية القتيلين، مؤكّدين أن أحدهما هو السجين الفارّ محمود فلاح. ليس هذا فحسب، بل أكّدوا أن القتيل الثاني كان أيضاً سجيناً سابقاً بينهم بتهمة الانتماء إلى فتح الإسلام، لكنه خرج بموجب إخلاء سبيل، ويدعى يوسف درويش. وتجدر الإشارة إلى أن مقطع الفيديو المذكور كانت قد تناقلته مواقع جهادية في الثالث والعشرين من شهر أيلول الماضي تحت مسمّى أن «الاثنين سقطوا شهداء أثناء جهادهم على أرض سوريا»، وقد عرّفت عنهما باسمي أبو دجانة وأبو عبد الحق. ويعني ذلك بوضوح أن السجينين المذكورين فرّا من السجن قبل أكثر من 3 أسابيع.

السابق
الرئاسة في حاجة إلى فؤاد شهاب
التالي
نقدٌ لنظام يضعف ومسايرة لحزب قوي