لا انهيار ولا ازدهار

تؤكد إحدى المقولات الشهيرة حول الوضع اللبناني المأزوم باستمرار، أنّ مصير لبنان هو ببساطة: "لا انهيار ولا ازدهار"، بمعنى آخر مراوحة مستمرة والدوران في حلقة مفرغة. فحال الانقسام السياسي التاريخي بين اللبنانيين حيال الثوابت السياسية والوطنية يحول دائماً دون القدرة على بناء تفاهمات واسعة تتّصل بدور لبنان وواقعه ومرتجاه ومستقبله، وتقف في طريق تحقيق تقدّم فعلي على المستويات كلها.

صحيحٌ أنّ اتفاق الطائف جاء ليحسم بعض الخيارات الكبرى، لا سيما في مثلّث نهائية الكيان وعروبته، والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين بصَرف النظر عن النمو العددي؛ إلّا أنه لم يكن كافياً بالكامل لإعادة بناء جسور الثقة بين القوى السياسية اللبنانية التي غالباً ما دمّرتها القوى الإقليمية التي تلاعبت دائماً على وتر الانقسام اللبناني ووظّفته لمصلحة سطوتها وتكريس نفوذها.

إنّ فشل اللبنانيين في بناء تفاهمات سياسية حول العناوين والثوابت الكبرى جعل كل الأداء السياسي معطلاً وحال دون انطلاق العجلة السياسية، وحتى الاقتصادية، بما هو مأمول من اللبنانيين جميعاً. وقد انعكس هذا الأداء المنقسم شللاً في العديد من الحكومات المتعاقبة.

فحكومات الوحدة الوطنية غرقت في مقولة ضرورة بناء الإجماع والتوافق، حتى ولو كان على تعيين حاجب في الإدارة العامة. والحكومة التي أطلق عليها تسمية حكومة اللون الواحد، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، لم تنجح أيضاً في الإقلاع في الكثير من الملفات.

هناك أعطال أساسية في تركيبة النظام القائم، تؤججها حالات الخلاف التي لا تنتهي بين القوى السياسية تقريباً حول كل شيء. ولكن اللافت هو الفشل في إنشاء مساحة وسطية يمكن من خلالها إقرار بعض الخطوات والإنجازات التي تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة اللبنانيين جميعاً والقوى السياسية أيضاً.

من هذه الملفات، على سبيل المثال، الملفات الاقتصادية والاجتماعية، التي يمكن اتخاذ خطوات فيها تفيد المواطنين وتسهم في استعادة بعض الثقة المفقودة بالدولة التي تشوّهت صورتها كثيراً في المراحل السابقة، لا سيما مع التراخي الأمني الذي حصل في فترة معينة وعاد ليضبط بغطاء سياسي واضح.

إنّ إضعاف الدولة ومشروعها ومسيرتها لا يفيد إلّا من يتربّص بلبنان واستقراره، إذ إنه يتيح له متنفساً ومدخلاً للانقضاض على السلم الأهلي والاستقرار، ويتيح له مجدداً اللعب على خطوط الانقسام بين اللبنانيين وهي كثيرة. فاللبنانيون منقسمون على المحكمة الدولية، وسلاح "حزب الله" ودوره في الصراع الإقليمي، ومنقسمون حتماً على الأزمة السورية وطريقة التعاطي معها.

من هنا، يبدو الحفاظ على سياسة النأي بالنفس الخيار المنطقي الأوفر، كونه يجنّب لبنان انتقال النار السورية إلى داخله، مع احتفاظ القوى السياسية اللبنانية بحرية التعبير عن الرأي طالما أننا لا نزال نعيش في نظام ديموقراطي (حتى إشعار آخر).

ولكن، الانغماس اللبناني في الميدانيات اليومية السورية، سواء أكان من خلال إرسال مقاتلين أو أسلحة وعتاد لا يفيد، لأنه على الأرجح لن يغيّر كثيراً في واقع الحال السوري المحتدم والذي يزداد ضراوة كل يوم، بل سيجرّ الخلاف السوري إلى لبنان، وهو ما لا يستطيع هذا البلد احتماله.

وبذلك، نكون قد قفزنا في النار بإرادة ورغبة واعية منّا!  

السابق
سوريا: جهاد حزب الله سيجر جهاداً مضاداً
التالي
حزب الله يزج لبنان في عين العاصفة