خطان أحمران.. جديدان

لا يلام النظام السوري على توسيع نطاق حربه الدامية على شعبه، بعد أن أظهرت الجلسات الافتتاحية للدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة أن الحماية الروسية – الصينية لعملياته العسكرية جعلت الإدانات الدولية لجرائمه تقتصر على حملة الاستنكار الكلامي فحسب.
ولا يلام النظام السوري، أيضا، إن هو اعتبر أن الخلل القائم حاليا في المعادلة الدولية في مجلس الأمن (بفضل الفيتو الروسي – الصيني) يتيح له فرصة مواصلة عملياته العسكرية من دون رادع جدي.. اللهم إلا تجنب القفز فوق «الخط الأحمر» الوحيد الذي فرضه الرئيس الأميركي باراك أوباما على هذه العمليات، أي الاستعانة بترسانته العامرة من الأسلحة الكيماوية.
ربما كان تخوف أوباما من تداعيات هذه الأسلحة على جارة سوريا الجنوبية، إسرائيل، الدافع الأساسي لإقدامه، شخصيا، على توجيه هذا التحذير. ولأن هذا التحذير ظل أقصى «قيد» خارجي على حرب النظام السوري على شعبه فلم يكن مستغربا أن يواصل النظام توسيع نطاق عملياته العسكرية وفي الوقت نفسه اختبار ردود الفعل الدولية عليها.
قد تندرج، في هذه الخانة، تجربة توسيع العمليات العسكرية «الروتينية» إلى حد مطاولة الداخل التركي. ولكن، سواء كان قصف الداخل التركي مقصودا أم عفويا، فقد كان غلطة شكلت نقطة تحول جديدة في مسار استراتيجية النظام في مواجهة انتفاضة شعبه عبر إفرازها «خطا أحمر» ثانيا لجيش الأسد.
الأبعاد العملية للخط الأحمر الجديد يعكسها قرار البرلمان التركي المتخذ بأكثرية ساحقة والذي يعطي حكومة رجب طيب أردوغان «الإذن» بشن عمليات عسكرية داخل سوريا «عند الاقتضاء».
إذا كان قرار البرلمان التركي يعني أنه لا مجال بعد الآن لسكوت أنقرة عن أي اعتداء سوري على أهداف تركية – كما حصل بعد «لفلفة» حادثة إسقاط الطائرة التركية في يونيو (حزيران) الماضي – فإن المردود السياسي للقرار لا يقل أهمية عن مردوده العسكري لجهة تعزيزه الوضع الداخلي لأردوغان في وقت بدأت تصدر فيه أصوات تركية تعارض «التدخل» في سوريا.
ورغم أن «الإذن» لا يشكل إعلان حرب على سوريا لا مصلحة لتركيا ولا للشعب السوري فيها، فهو يتيح لتركيا، على الصعيد الإقليمي، تعديل ميزان القوى على الحدود السورية لصالح المعارضة السورية من دون الحاجة إلى دخول الأراضي السورية. أما على الصعيد الدولي، فإن «الإذن» يمثل خطوة ثانية على طريق «احتواء» النطاق الميداني للعمليات العسكرية السورية (بعد التحذير الأميركي من استعمال السلاح الكيماوي).
في ظل هذه الخلفية، قد لا تكون مجرد صدفة أن يتيح الاعتداء السوري على الأراضي التركية فرصة مواتية لواشنطن لكي تفرض «خطا أحمر» ثالثا على العمليات العسكرية السورية تمثل في مطالبة لبنان بـ«حماية» اللاجئين السوريين داخل أراضيه «بما في ذلك المعارضون والمنشقون الذين نبذوا العنف».
تزامن طلب واشنطن مع الاعتداء السوري على تركيا يوحي بأنه يندرج، هو أيضا، في خانة «احتواء» ساحة العمليات العسكرية السورية والحيلولة دون تصديرها إلى دول الجوار. وجدية واشنطن في مطالبة لبنان بتطبيقه فورا يؤكدها إقرانه بمساعدة مالية إضافية للاجئين السوريين. ومع التسليم بأن الخطوط الحمراء الثلاثة لا تزال محدودة الفعالية وبالتالي غير كافية لردع الجيش السوري عن حملات القمع الدامية داخل أراضيه، فهي مؤشر واعد على أن الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن لا يحول دون وضع قيود ميدانية على المغامرة العسكرية السورية، من خارج إطار المنظمة الدولية.
العسكرية السورية، من خارج إطار المنظمة الدولية.
وإذا كان من الصعب وصف الاعتداء السوري على الأراضي التركية بـ«غلطة الشاطر» فإن أخطاء النظام السوري – التي بدأت قبل ثمانية عشر شهرا مع تردده في تعديل المادة الثامنة من الدستور (التي تنصب حزب البعث «قائدا» للدولة)، ومع إنزال الجيش إلى الشوارع لقمع مظاهرات كانت سلمية آنذاك – تعد بأن تتيح للعواصم الغربية .
 

السابق
النفط مقابل الغذاء.. سيناريو متوقع لإيران
التالي
نساء حاصبيا يجمعن حصاد الصيف لمواجهة الصقيع