النسبية بطربوش شيعي والأكثري بطربوش سنّي

لا إشارات جدّية إلى أن اللجان النيابية، متمسّكة بقاعدة أن البرلمان سيّد نفسه، مقبلة على قانون انتخاب جديد بديل من قانون 2008. لا مشروع الحكومة يُعجب نوابها، ولا اقتراحات 8 آذار أو 14 آذار. قبل 7 أشهر من انتخابات 2013، كل الخيارات موصدة الأبواب إلا تأجيلها

تعود اللجان النيابية المشتركة إلى الاجتماع، اليوم، في جلسة رابعة تستكمل الخوض في مشروع قانون الانتخاب الذي أعدّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي واقتراحي قانونين، أحدهما مشروع اللقاء الأرثوذكسي والآخر الدوائر الصغرى الـ50. في نحو 16 ساعة انقضت من جلسات الأسبوعين المنصرمين، صرف النواب قرابة ساعة واحدة تقريباً على مناقشة مشروع الحكومة. أما الساعات الأخرى، فتوزّعها فريقا 8 و 14 آذار على التشبّث باقتراحيهما لقانون الانتخاب وتبادل الاتهامات والشكوك والجدل السياسي والمشادات.
لم يقتصر انقسامهما على الخلاف على قانون الانتخاب فحسب، بل تقاسما القاعة العامة وتجمّع نواب 8 آذار في شقّ منها، ونواب 14 آذار في شقّ آخر، ما خلا استثناءات نادرة.
ويُنتظر أن تبحث اللجان اليوم في تأليف لجنة من ثمانية، مناصفة بين الطرفين، تتولى درس المادتين الأوليين من المشروع الحكومي، أولى متعلقة بنظام الاقتراع وأخرى بتقسيم الدوائر الانتخابية. وكان قد كُلّف نائبان من الفريقين مراجعة تكتليهما والعودة بأسماء مقترحة لعضوية اللجنة. في موازاة عملها هذا ــ متى تمّ التوافق على تأليفها ــ تثابر اللجان على مناقشة المواد الأخرى من مشروع القانون، المعلّق المصير في نهاية المطاف على اتفاق مستحيل على المادتين الأوليين. قوى 8 آذار مصرّة على المشروع الحكومي القائل بالتصويت النسبي، وقوى 14 آذار بالتصويت الأكثري. أضف خلافهما على تقسيم الدوائر وعددها.
لكن المعطيات المحيطة باجتماعات اللجان، خارج البرلمان وداخله، تشير إلى الآتي:
1 ــ استمرار الانقسام الحاد بين الأفرقاء المسيحيين حيال القانون الجديد للانتخاب، ما خلا رفضهم المعلن قانون 2008 النافذ. وكان اجتماع لجنة بكركي قبل أكثر من أسبوعين، قد أفضى إلى تكريس هذا الانقسام من خلال رفض حزبي الكتائب والقوات اللبنانية التوقيع على رسالة مشتركة تصدر عن الصرح البطريركي مع الفريق المسيحي الآخر الذي يمثّله التيّار الوطني الحرّ وتيّار المردة، تؤيد مشروع اللقاء الأرثوذكسي، وتمسّكهما باقتراح الدوائر الـ50 وفق التصويت الأكثري. بينما يؤيد مسيحيو 8 آذار مشروعي الحكومة واللقاء الأرثوذكسي. وكلاهما يعتمد الاقتراع النسبي.
2 ــ بعد رئيس المجلس نبيه برّي، أبلغ حزب الله إلى حلفائه استعداده المضي في مشروع اللقاء الأرثوذكسي في حال موافقة الرؤوس المسيحية الأربعة عليه.
3 ــ من شأن تعذّر الاتفاق على قانون جديد للانتخاب تعويم قانون 2008 الذي يقول الأفرقاء جميعاً ــ باستثناء رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ــ إنهم يرفضون العودة إليه. إلا أن إجراء انتخابات 2013 وفق أحكامه يصطدم بعقبتين كافيتين للطعن في نتائجها لدى المجلس الدستوري، إن لم يُصر إلى اقتراع المغتربين وتأليف الهيئة المستقلة المكلفة الإشراف على الانتخابات.
كلاهما يواجه صعوبات في وضعه موضع التطبيق في الأشهر السبعة الباقية من ولاية المجلس الحالي: لا استعدادات اقتراع المغتربين أنجزت أو على طريق الإنجاز نظراً إلى وفرة الناخبين اللبنانيين في الخارج ويُعدّون بالملايين في دول عربية وأجنبية، وافتقار عدد كبير من البلدان إلى سفراء وقناصل لبنانيين لديها، فضلاً عن عدم اكتمال تسجيل أسماء الناخبين والترتيبات اللوجيستية، بدءاً بألوف الصناديق. ولا الوقت بات كافياً لتأليف الهيئة المستقلة وتدريبها على عملها وتوفير الأجهزة والإمكانات تبعاً للمهمات والصلاحيات التي ينيطها بها قانون 2008 والمستقلة تماماً عن وزير الداخلية.
بذلك يُمسي الخيار بين إلغاء هاتين المادتين أو تعليق العمل بهما استثنائياً لانتخابات 2013، أو تجاهلهما وتعريض نتائج الانتخابات للإبطال.
4 ـ في معزل عن الجانب التقني من قانون الانتخاب وآلية إجراء الانتخابات، يكمن صلب المشكلة في أن نصف النواب يرفض مشروع الاقتراع النسبي الذي أقرّته الحكومة، والنصف الآخر يرفض مشروع الاقتراع الأكثري. قوى 8 آذار في صفّ التصويت النسبي، وقوى 14 آذار في صفّ التصويت الأكثري. وهو سبب كافٍ ــ شأن أي أمر آخر اختلفا عليه قبلاً ــ كي يصلا إلى حائط مسدود، فلا يُبصر أيٌّ من المشروعين النور أبداً. وهما، بذلك، يشقّان الطريق أمام تعطيل جدّي لانتخابات 2013 تحت وطأة إهدار الوقت واستحالة الاتفاق على قانون بديل.
في 15 حزيران 2013 تنتهي ولاية البرلمان الحالي. إلا أن الموعد الأقصى الممنوح لوزير الداخلية مروان شربل لإنجاز الانتخابات هو 3 حزيران 2013.
5 ــ صار طربوش الاقتراع الأكثري سنّياً، وطربوش الاقتراع النسبي شيعياً. ولكل من الطرفين حساباته.
يؤيد الطربوش السنّي التصويت الأكثري لأنه يأتي للسنّة بـ23 نائباً غير سنّي في دوائر سنّية أو ذات ترجيح سنّي كبيروت وعكّار وطرابلس وزحلة. ويأتي بخمسة نواب من غير الدروز في دوائر ذات ثقل درزي كالشوف وعاليه، فيما يأتي بثمانية نواب من غير الشيعة في دوائر ذات غالبية أو ترجيح شيعي مثل بعلبك ــ الهرمل وحاصبيا ــ مرجعيون والزهراني.
يؤيد الطربوش الشيعي الاقتراع النسبي لأنه يعطي الثنائي حزب الله ــ حركة أمل غالبية مقاعد الطائفة بنسبة قد تصل إلى 80 في المئة، بينما لا يمنح تيّار المستقبل أكثر من 60 في المئة من مقاعد السنّة. بإزائهما تنقسم المقاعد المسيحية بما يقرب من التساوي بين مسيحيي هذا الطربوش ومسيحيي ذاك. وتكمن العبرة في أن ثنائية حزب الله ــ حركة أمل تحصد العدد الأوفر من مقاعد طائفتهما، خلافاً لتيّار المستقبل الذي يضمر عدد مقاعده من جراء صعود شخصيات سنيّة أخرى تقاسمه أكثر من الثلث الباقي.
6 ــ حيال مأزق الخلاف على نظام التصويت بين قوى 8 و14 آذار على نحو يحمل كلاً منهما على إطاحة النظام الذي يقول به خصمه، الأكثر إضراراً بمقاعده النيابية وبمقدرته على الحصول على الغالبية، أُعيد في الأيام الأخيرة بعث مشروع اللجنة التي ترأسها الوزير السابق فؤاد بطرس وزَاوَجَ بين نظامي التصويت في صيغة تتيح انتخاب 51 نائباً باقتراع نسبي في المحافظات التقليدية الخمس مع اعتماد صوت تفضيلي واحد، و77 نائباً باقتراع أكثري في دوائر الأقضية الحالية (اقترح مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية في بضعة مؤتمرات وخلوات تعديلاً على الاقتراع الأكثري لـ 77 نائباً باعتماد طريقة صوت واحد للناخب لدائرة بين مقعد و3 مقاعد، وصوتين لدائرة بين 4 و6 مقاعد).
ورغم أن لا أصداء كافية توحي بالعودة إلى مشروع لجنة بطرس، المستوحى من مشروع كان قد اقترحه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معتمداً ثنائية الاقتراع (64 نائباً بتصويت نسبي و64 نائباً بتصويت أكثري)، بيد أن صعوبة التكهّن بنتائجه تمثل ذريعة وافية كي لا يؤيده أي من طرفي 8 و14 آذار اللذين يصرّان على قانون انتخاب يمكّن كل منهما ــ قبل خوض الانتخابات ــ من التيقّن من أنه هو الذي سيحوز الغالبية للسيطرة على مجلس النواب.
ذريعة كهذه لا تكتفي بإعطاب العودة إلى مشروع لجنة بطرس فحسب، بل بإطاحة مشروع الحكومة واقتراحي اللقاء الأرثوذكسي والدوائر الـ50.
وما دام جنبلاط واقفاً بين قوى 8 و14 آذار لا يتزحزح، ويرفض ما يقولان به على السواء، ويمتنع عن دعم أي منهما في التصويت لمشروعه، فإنهما يبقيان ــ وكذلك في ظلّ قانون 2008 ــ أقليتين، تستقوي عليهما أقلية ثالثة أصغر منهما يمثلها الزعيم الدرزي. تتلاعب بهما مقدار ما «تبلفهما» معاً.  

السابق
حزب الله يزج لبنان في عين العاصفة
التالي
أردوغان يفتّش عن مخارج وواشنطن لا تريد التورّط