حكومة مبدأ تاتشر

لا أحد يعرف متى وكيف تنتهي حلقات المسلسل الذي عنوانه سلسلة الرتب والرواتب. فما حدث حتى الآن هو خطوة حكومية على الورق تحت ضغوط خطوات في الشارع. وما يدور في المسافة الطويلة الفاصلة بين مطلب محق وبين تحقيقه هو ثلاث معارك في حرب السلسلة. معركة بالأقدام تخوضها هيئة التنسيق النقابية من أجل السلسلة. معركة بالأرقام تندفع فيها الهيئات الاقتصادية ضد السلسلة. ومعركة بالأوهام تديرها الحكومة لتأمين مصادر التمويل عبر ضرائب ورسوم صعبة وثقيلة وارتجالية.

سلاح هيئة التنسيق هو الاضراب والتظاهر على مراحل. واحدة أخذت وقتاً لإجبار مجلس الوزراء على إقرار السلسلة. وأخرى تبدأ اليوم لدفعه الى احالة مشروع القانون على المجلس النيابي. وثالثة منتظرة للضغط على المجلس من أجل إقرار المشروع ليصبح قانوناً نافذاً. وسلاح الحكومة هو شراء الوقت والتظاهر بأنها تعمل بجد لتأمين التمويل. أما سلاح الهيئات الاقتصادية، فانه التحذير من مخاطر الانهيار النقدي والافلاس الاقتصادي تحت أثقال الكلفة الباهظة للمشروع والمقدرة بمليار وأربعماية مليون دولار على خزينة فارغة واقتصاد منكمش ودين عام بلغ 55 مليار دولار ولا يزال في تصاعد.

وليس من السهل على أي طرف أن يتراجع عن موقفه. لا هيئة التنسيق عن مطلبها. ولا مجلس الوزراء عن قراره، ولا الهيئات الاقتصادية عن مصالحها التي تربطها بالمصلحة العامة واقتصاد البلد والخوف من الانحدار على طريق اليونان التي يحاول الاتحاد الاوروبي انقاذها، في حين ليس للبنان منظومة تنقذه. فكيف نخرج من هذا المأزق، وكل مخرج مفترض له ثمن سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي ومالي؟

المشكلة ان الحكومة تعمل على طريقة ما يسمى مبدأ تاتشر الذي خلاصته: افعل ما تريده اليوم، واقلق غداً. هكذا فعلت حين رمت على المجلس النيابي مشروع قانون انتخاب، وهي تعرف انه لن يمر، وان ابراء الذمة في باب القيام بواجبها قاد الى حال من القلق في البلد، فوق كل ما يقلقه ويخيفه من مخاطر وانعكاسات لما يدور من حولنا. وهكذا فعلت في اقرار سلسلة الرتب والرواتب بمشروع قانون تماطل في تحويله الى المجلس حيث يكتمل القلق. فهي تسعى لتأمين التمويل ضمن ما سماه الرئيس نجيب ميقاتي معادلة التوازن الاجتماعي، التوازن المالي، التوازن النقدي، والتوازن الاقتصادي. وهذه معادلة يستحيل التوفيق بين حساباتها الدقيقة في اميركا وفرنسا وحتى في المانيا. فكيف في لبنان، حيث اللاتوازن هو السائد في كل القطاعات تقريباً؟ وهل نحن، حتى من دون السلسلة، في توازن اجتماعي ومالي واقتصادي، وان كنا نفاخر بالتوازن النقدي؟
 

السابق
حزب الله يمتلك مئات الطائرات.. والخوف الاسرائيلي من تعدلها
التالي
مرسي يكرّم سياسة التطبيع والخيانة