الفرفور.. ذنبه مغفور!!

ليعذرني القارئ، فأنا لم أجد أفضل من هذا العنوان لتفسير ما تفعله حكومة أردوغان التركيّة .
إذا أردنا ـ وهذا واجب ـ أن نراجع ما نسمّيه التصعيد الأخير على الحدود السورية ـ التركيّة، والمناوشات التي باتت تقلق الكثيرين، فعلينا أن نتذكّر أنّ البداية كانت من تركيّا التي ضربت بمدفعيتها مواقع سورية وقتلت اثنين من المواطنين السوريين، وبرّرت عملها بالقول إنّها ضربت مجموعة من أفراد حزب العمّال الكردستاني.

كردستاني أو غير كردستاني، فهما مواطنان سورّيان قتلا داخل الحدود السوريّة. ألا يسمى هذا اعتداء بحسب القوانين الدولية والمواثيق والمعاهدات؟
بعد يومين، سقطت قذائف ـ لا قذيفة واحدة ـ من الجانب السوري داخل الأراضي التركية، وقتلت اثنين أو ثلاثة أشخاص، وجرحت عدداً مماثلاً. فماذا حدث؟ قامت قيامة «المجتمع الدولي» النزيه جدّاً لأنّه يرى بعينٍ واحدة ـ تماماً مثل موشيه دايان. وراح رجب طيّب أردوغان يصرخ ويستنهض هِمَم الأوروبيين والأميركيين وشهامة مجلس الأمن ورجولة المقاتلين الذين يتولى حمايتهم، وتسهيل طريقهم لمحاربة الدولة السورية. هذه واحدة تذكّرنا بما تفعله «إسرائيل» أو ـ ما كانت تفعله ـ مع لبنان قبل قيام حزب الله والمقاومة بخلق قوّة الردع في حرب تموز عام 2006.

ولأنّ «الفرفور ذنبه مغفور» في منطق المجتمع الدولي، ولأنّ «الفرفور» هنا ليس «إسرائيل» وحدها، بل تركيا أيضاً، فمساحة الغفران لا تتوقف عند انتهاك السيادة السورية، بل تغطّي الأراضي العراقية كذلك .
لا يمضي يوم إلّا وتحمل التقارير الإخبارية أنّ وحدات من الجيش التركي تتوغّل داخل الأراضي العراقية بحجّة مطاردة مسلّحي حزب العمّال الكردستاني، منتهكة المواثيق الدولية والمعاهدات وشرعات الأمم المتحدة وحقّ الجوار أيضاً. بل وأكثر من ذلك، ولعلّه بأمرة الكبار الكبار، أقام الجيش التركيّ مراكز ومواقع عسكرية في المناطق الجبلية شمال العراق بحجّة مراقبة حزب العمّال الكردستاني ومطاردته. ألا يسمى هذا احتلالاً؟

حين يكلّف الأتراك حلفاءهم الجدد من «الجيش السوري الحرّ» والأمراء والأنصار والمجاهدين ضدّ النظام، باحتلال مناطق حدودية بحجّة تسهيل دخول المرتزقة واستيراد السلاح، ألا يعتبر هذا احتلالاً بالوكالة؟ تماماً كاحتلال «إسرائيل» جنوب لبنان من قِبل جيش لحد بالوكالة أيضاً!
ما ينطبق هنا ينطبق هناك، هذا إن كان لنا عقل يفكّر ويقارن ويستنتج .

القذائف التركية من تركيا، معروف مصدرها وصاحبها، لأنّه لا ليس هناك جيش تركيّ حرّ ولا مجاهدون وأنصار ومتطوّعون ولا مجلس اسطنبول. هناك فقط حكومة أردوغان، والجيش الذي ينفّذ أوامر حكومة أردوغان. ولكن، هل هناك من يستطيع أن يؤكّد أنّ القذائف من الجانب السوري هي من سلاح النظام؟ ومن جيش النظام؟ أليس الاحتمال الأكبر أن تكون من المجموعات الإرهابية المسلّحة و«الجيش الحرّ» ومن المجاهدين الذين انحشروا في القتال، فبات عليهم تقبّل الأوامر كما يتقبلّون السلاح؟ لأنّ اليد التي تقبض المال والرواتب والأجور، يتوجب عليها أن تنفّذ أوامر تلك اليد ومصلحتها. على أمل إثارة الرأي العام التركيّ الذي اعترض على سياسة أردوغان، وصار في الإمكان القول له: «انظر، ها هي سورية التي تدافع عنها تضربنا بقذائفها ومدفعيتها وتقتل أبناءنا». إضافة إلى إثارة الرأي العام العالميّ واستنهاض هِمّة مجلس الأمن، وحماسة أميركا وأوروبا، ونخوة المقاتلين في الأرياف وفي أزقّة المدن السورية.

«الفرفور» لن يكون ذنبه مغفوراً، بعد أن يهمد غبار المعركة ويستكين ضجيج الإعلام ذي العين الواحدة !
  

السابق
فاز بالتهام الصراصير.. ومات
التالي
دوي إنفجارات إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة