سقوطنا جميعاً …

ذاك السياسي الذي يبلغ كبار معاونيه، وبعد لقاء مستفيض وممتع مع السفيرة الاميركية موراكونيللي، بأن ساعة «حزب الله» قد دقت، وبأن سقوطه عسكرياً وسياسياً قد يسبق سقوط نظام بشار الاسد في دمشق..
لا احد مستعد ان يقرأ الخارطة اللبنانية، او الخارطة الاقليمية، او الخارطة الدولية بدقة. هذه هي ساعات الجنون الذي يمكن ان يدفع الامور نحو حرب كبرى لا يمكن ان تقتصر تداعياتها الكارثية على لبنان. ولا ندري ما اذا كان رجب طيب اردوغان قد اصغى الى النصيحة الروسية بأن يضبط خطواته جيدا بحيث لا تتقاطع، بشكل او بآخر، مع الايقاع الاسرائيلي لان تركيا لن تكون في حال من الاحوال بمنأى عن النيران التي قد تفضي الى انهيار ميتولوجي للشرق الاوسط بنسختيه الجديدة والقديمة…

لا بل ان الديبلوماسية الروسية التي لا تستغرب ابدا ان يصل الغباء العربي الى ما وصل اليه، تستهجن ان يلحق الغباء التركي المستجد بالغباء العربي الضارب في قرون وقرون…
حديث القيادي الى معاونيه بات يسمع في اكثر من مكان. المسألة تعدت الايماءات، والايحاءات، الاميركية. اجهزة الاستخبارات كثيرة في سوريا، ومثلما تنشط من عمان واسطنبول تنشط ايضا، وايضا، من بيروت. لكن هذه الاجهزة تعتبر ان سوريا هي التي ستسقط اولا، وان على الحلفاء ان يتلقفوا تلك اللحظة بكل الاستعدادات السياسية والعسكرية (اجل العسكرية) الممكنة، هذا اذا ما اخذنا بالاعتبار التعلميات الخطيرة التي تناهت الى بعض الفصائل الفلسطينية في لبنان..
اي فصائل؟ المراجع اللبنانية تعلم ذلك، وتعلم كم كان خالد مشعل زاهيا ومزهوا بين يدي السلطان العثماني الذي يقول ديبلوماسيون اسرائيليون في اوروبا انه مختلف جدا عن السلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض عرض تيودور هرتزل اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مقابل شطب كل ديون السلطنة…

اردوغان الذي لم يعد اسم اسرائيل يرد على لسانه، كما لا يرد على لسان حلفائه الاسلاميين الذين يعنيهم البقاء في السلطة، والى الابد، ولا شيء سوى السلطة، بات مقتنعاً بالدولة الفلسطينية العتيدة التي تضم غزة و بعضاً من صحراء النقب التي احتلت بعد قرار التقسيم، على ان تبقى الضفة الغربية يهودا والسامرة، وان كانت التسمية كنعانية وليست عبرية كما يتصور الكثيرون…
هكذا قفزة واحدة من الايديولوجيا الى البراغماتية، فعلها خالد مشعل كما لو انه كان لحركة «حماس» ان تبقى الى هذه اللحظة لو لا دمشق، دون ان يعني هذا دفاعا ميكانيكياً عن نظام تمكن بجدارة منقطعة النظير من ان يساهم، باخطائه الهائلة، في دفع الامور الى ما هي عليه الآن…

لكن الامور، لمن يتمتع بحديث السيدة كونيللي وغيرها وغيرها، ليست بهذه البساطة. صحيح ان وليد جنبلاط ليس في وضع يسمح له بالتحذير من نزول «حزب الله» الى ما تحت الارض، كما كان حذره وتحذيره في حرب تموز عام 2006، لكن الرجل يدرك جيدا ان الدخول في ذلك الرهان السيزيفي يعني ان الصخرة ستتدحرج على الجميع دون استثناء، وهو الذي يعلم ايضا ان ثمة من يعمل لافغنة لبنان تماما كما جرت افغنة سوريا…

هذا وان اطمأن البعض الى كلام لا ندري مدى صدقيته، وهو ان الولايات المتحدة التي ستنسحب من افغانستان، تاركة حامد كرزاي تنهشه الكلاب (وربما الفئران ايضاً) ستنتقل ومعها حلفاء الاطلسي الى سوريا التي ستغدو افغانستان الاخرى، على ان تكون تركيا هي باكستان الاخرى، ولكن بعد انهاك النظام في سوريا اكثر فأكثر وبحجة عدم انتقال الاسلحة الجرثومية والكيميائية الى «الايدي الشريرة»…

كما لو ان دخول الاطلسي في خريف عام 2001 الى افغانستان لم يجعل من حركة «طالبان» اقوى من الحكومة الفولكلورية في كابول، وكما لو ان باكستان لم تتزعزع وتوشك على التفكك، وكما لو ان الاميركيين والاسرائيليين لا يعلمون ان البديل في سوريا هو نظام طالباني آخر. ولكن اليس هذا هو المطلوب اميركياً واسرائيلياً؟..
مطلوب عربياً بالدرجة الاولى. والنتيجة سقوط الجميع في الشرق الاوسط، لا طرفاً دون آخر ولا نظاماً دون آخر!  

السابق
تركيا والبحث عن المخارج!
التالي
لماذا هذه الحملة الشرسة على حزب الله وفي هذا التوقيت بالذات؟