وهم الاستدراج

بعد القذيفة السورية الأولى على بلدة أكجاكالي التركية، دعت موسكو سلطة بشار الأسد إلى الإعلان أنّ تلك القذيفة سقطت عفواً لا قصداً.. بعد القذيفة الثانية بالأمس على البلدة ذاتها، يفترض بالقيادة الروسية أن تسأل هذه السلطة المشمولة بدعمها ورعايتها، عن أهدافها وتطلعاتها و"آمالها"!؟
التحرّك الروسي بعد القذيفة الأولى التي أودت بخمسة قرويين أتراك، تقصَّد توجيه رسالة علنية تفيد بعدم موافقة موسكو على "التكتيك" الأسدي.. وفي موازاة ذلك تماماً، كان نائب الرئيس الإيراني يحطّ بسرعة في العاصمة التركية ويدعو إلى ضبط النفس، ورسالته أيضاً نظيرة الرسالة الروسية لا ترحّب بـ"المسعى" السلطوي السوري إلى إشعال معركة اقليمية ذات أبعاد دولية خطيرة.

لا يعني موقفَا موسكو وطهران تخلياً عن سياسة دعم الأسد، إنّما إعلان عن "الحدود" الاقليمية لذلك الدعم. و"القانون" الذي سبق وأن سرى في "ساحة" لبنان على مدى سنوات وسنوات، هو ذاته الذي يسري اليوم على "ساحة" سوريا: المواجهة محلية إقليمية دولية لكن ضمن حدود الكيان وليست فوقه. والاشتباك المتعدّد الجنسية إنّما يتم بالواسطة وليس مباشرة. حتى لو قامت القيامة وقعدت أكثر من مرّة. وسلطة الأسد تحديداً، كما النظام الإيراني، أوّل وأكثر مَن انخرط والتزم ذلك القانون. وبهذا المعنى، مثلاً فإنّ الحروب الإسرائيلية الكبيرة على لبنان، لم تتخطّ ولا مرّة، "حدوده الدولية المعترف بها"! مهما استعرت ساحة الوغى ومهما أرعدت أناشيد الممانعة!

وذلك القانون باقٍ حتى إشعار آخر: ممنوع تمدُّد المواجهة السورية إلى خارج حدودها الاقليمية.. وما تفعله سلطة الأسد مع تركيا، وإلى حدّ ما مع الأردن تارة ومع لبنان طوراً، هو محاولة كسر ذلك القانون، وتوريط حلفائها وأعدائها في مواجهة مباشرة، تستعيد تجربة الحرب الأهلية الاسبانية التي سبقت مباشرة الحرب العالمية الثانية، والتي كانت في خُلاصَتها، تمريناً ألمانياً سوفياتياً على المواجهة التدميرية الأكبر بينهما!

جموح العقل الأسدي الغريب يصل في الحالة الراهنة إلى مداه الأقصى. يفترض أنّ نهايته يجب ألا تعني "نهاية" سوريا التي يعرفها العالم فحسب، بل أيضاً نهاية عصر اقليمي ودولي بأكمله! فالحرب التي يخوضها، ليست في عُرفه سوى "مؤامرة كونيّة" من جهة، وحرب ضدّ كل محور المقاومة من جهة أخرى! قال ذلك بعظْمة لسانه، وذهب به الجنون إلى حدّ الافتراض أنّ ذلك يعني عدم تركه وحده "يدافع" عن ذلك المحور و"يصدّ" محاولة ضرب نهوض روسيا والصين لإنهاء الاحادية الأميركية الغربية في عالم اليوم!

.. تزداد "حالة" الأسد غرابة كلما تعاقبت الأيام وزادت وطأة الثورة عليه. وأغرب ما في تجلّياتها هو محاولته استدراج حرب مع تركيا، رغم أنّه يعرف تماماً أنّ أي "تدخل" عسكري تركي مباشر سيعني سحق سلطته أو ما تبقّى منها تماماً! وعلى موسكو وطهران قبل غيرهما "إفهامه" تلك البديهة بالملعقة إذا تطلّب الأمر.. ويبدو أنّ ذلك سيتم عاجلاً وليس آجلاً.
  

السابق
الحرب مفتاح السلام!
التالي
تسليم وتسلم في بلدية كوكبا