مناورات الخليج العسكرية لا تعزز الإستقرار

احتشدت أواخر الشهر الماضي في الخليج العربي وعلى مداخله البحرية في خليجي عمان وعدن ثلاث حاملات طائرات أميركية، كل واحدة منها تحمل مقاتلات حربية يزيد عددها على ما يملكه سلاح الجو الإيراني بكامله، وأكثر من نصف ما تملكه البحرية الأميركية من كاسحات الألغام، محمية باثنتي عشرة بارجة ومنظومات صواريخ عابرة للقارات وفرقاطات ومدمرات وسفن هجومية على متنها الآلاف من مشاة البحرية والقوات الخاصة، مدعومة بقطع بحرية من ثلاثين دولة، منها حاملة طائرات بريطانية رابعة وأقوى مدمرة في الأسطول الحربي البريطاني والعشرات من سفنه الحربية، وسط تعتيم حول مشاركة أو عدم مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في «المناورات الدولية المضادة للألغام 2012» التي جمعت هذا الحشد العسكري المهول.

ولا يبدو مقنعا وصف البنتاغون لتلك المناورات عندما أعلن عنها بأنها «دفاعية» وبأنها «لا تستهدف ايصال رسالة إلى إيران» لتبديد شبح الحرب الذي يخيم على المنطقة أو لعدم وصف تلك المناورات بأنها ليست دبلوماسية الأساطيل الحربية الأميركية عندما يقول الرئيس الأميركي باراك أوباما إن «الولايات المتحدة سوف تفعل ما يجب عليها فعله لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي»، وإن «كل الخيارات على الطاولة»، وإن «الوقت ليس غير محدود» لاستنفاد الوسائل الدبلوماسية والعقوبات لمنعها، بينما تستل دولة الاحتلال الإسرائيلي من جعبتها كل ما تملكه من وسائل الضغط على الولايات المتحدة لوضع «خط أحمر» لبرنامج إيران النووي، فإن حجم «المناورات الدولية المضادة للألغام 2012» التي قادتها واشنطن من 16 – 27 الشهر الماضي في الخلجان العربية وتركيزها على إيران وفي تماس مع مياهها الإقليمية وعلى مقربة من برها وفي توقيت بدأ العد التنازلي الإسرائيلي والأميركي لمواجهة عسكرية معها، والتي وصفت بأنها «غير مسبوقة خارج زمن الحرب»، و«عرض قوة لحافة الحرب»، و«المناورات البحرية الأكبر على الإطلاق التي تنظم في الشرق الأوسط».

إن تصريح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأن هذه المناورات «لن تشعل فتيل الحرب» وإعلان البحرية الأميركية إنها «تمرين دفاعي» يستهدف «الحفاظ على حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة» و«ضمان الاستقرار» و«عدم زيادة التوتر» فيها و«ليس موجها ضد إيران» هي تصريحات تثير أسئلة جادة حول صدقيتها وحول الأهداف الحقيقية للمناورات، خصوصا إذا لم ينظر إليها في معزل عن المناورات الإيرانية الضخمة المتزامنة معها للتدرب على زرع الألغام في بحر قزوين، والمناورات الإسرائيلية الأخيرة في هضبة الجولان السوري المحتلة، ومناورات «القوقاز 2012» الروسية الضخمة استعدادا لــ «هجوم أميركي – إسرائيلي محتمل على إيران». وقد وصف مدير مركز الدراسات الاجتماعية والسياسية الروسي فلاديمير يفسييف المناورات المضادة للألغام في الخليج العربي بأنها مرتبطة «بالتوتر الذي يتزايد حول إيران، وهدفها تنفيذ المهام العملية على أرض الواقع وفي الظروف الحقيقية المنتظرة للمعركة».

ومما يعزز الشك في صدقية أهدافها المعلنة التكتم حول مشاركة أو عدم مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي فيها، فباستثناء تأكيد صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية لمشاركتها فيها، وإشارة عابرة دون تفاصيل في تقرير لفضائية «الميادين» عن مشاركتها، بالكاد انكسر حاجز الصمت المريب المطبق على دورها في وسائل الإعلام الرئيسية، ربما لأن تأكيد مشاركتها سوف يكون أول دليل على أن الجبهة الأميركية – العربية – الإسرائيلية الإقليمية التي تسعى واشنطن إلى إقامتها في مواجهة إيران منذ بضع سنوات قد خرجت فعلا إلى حيز الوجود.

كما أن ارتباط دولة الاحتلال الإسرائيلي ومعظم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعلاقة «شراكة» مع حلف «ناتو» الذي تقوده الولايات المتحدة وهي التي تقود أيضا الحشد العسكري ومناوراته في الخليج ومداخله يرجح مشاركة دولة الاحتلال وربما يفسر التكتم على مشاركتها لأسباب غنية عن البيان تتعلق بالرفض الشعبي العربي والإسلامي لأي مشاركة كهذه. لقد ذكرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليابان والعربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن واليمن ونيوزيلاندا وايستونيا ضمن الدول المشاركة، لكن المصادر الرسمية تمتنع حتى الآن عن نشر قائمة الدول التي شاركت فيها.
وبانتظار خروج الجبهة الأميركية – العربية – الإسرائيلية الإقليمية في مواجهة إيران إلى العلن، سوف تستمر السياسة الرسمية الأميركية في إبعاد مشاركة حليفها الاستراتيجي في دولة الاحتلال الإسرائيلي عن الأنظار في أي معادلة أميركية – عربية مشتركة في المواجهات التي تقودها واشنطن في المنطقة.
منذ آذار/ مارس الماضي نشرت تقارير عن عبور قطع بحرية حربية إسرائيلية لقناة السويس متجهة إلى الخليج العربي والبحر الأحمر، تأكد منها عبور «لاهاف» و«يافو»، إضافة إلى سفينتي صواريخ في آب/ أغسطس الماضي، وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي في حينه إن تلك السفن الحربية كانت متجهة إلى «ايلات» وإن هذا الانتشار البحري في البحر الأحمر كان «جزءاً من تدريبات روتينية». لكن من الصعب جدا الفصل بين هذا الانتشار وبين كون خليج عدن واحدا من ثلاث مسارح عمليات لــ«المناورات الدولية المضادة للألغام 2012» في ضوء «شراكة الناتو» والعلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وبين دولة الاحتلال.

ومسارح العمليات الثلاث إما مياه عربية أو مياه دولية تمثل امتداداً استراتيجياً عربياً، وقيادة الأسطول الأميركي الخامس التي «تستضيف» المناورات الدولية المضادة للألغام 2012، ومثلها القيادة البريطانية لسفن المملكة المتحدة المشاركة فيها، تتخذ من جزيرة البحرين العربية مقرا لها، ومع ذلك ليس لجامعة الدول العربية دور ولو كان استشاريا فيها ولا لشعوب الأقطار العربية المشاركة رأي حتى لو كان إعلاميا في اتفاقيات التعاون الدفاعي بينها وبين الولايات المتحدة التي حولت هذه الأقطار إلى شريك أمني لها، ومن هنا التكتم على قائمة المشاركين في المناورات والتعتيم على أهدافها الحقيقية، وهذه الشعوب، كما قال الزعيم الأميركي أبراهام لينكولن، «لو أعطيت الحقيقة، فإنه يمكن الاعتماد عليها لمواجهة أي أزمة وطنية، والنقطة الأهم هي ايصال الحقائق الواقعية لهم»، ولو أعطيت الحقائق الواقعية لشعوب الأقطار العربية المشاركة في المناورات فإنها على الأرجح ما كانت لتجيز مثل هذه الحشود العسكرية في مياهها الإقليمية ولكانت وجدت طرقا سلمية أقل تكلفة في المال والأرواح، غير دبلوماسية الأساطيل الحربية الأميركية، لحل منازعاتها مع دول الجوار.

أو لأعادت الشعوب إلى الحياة اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي تحطمت على صخرة معاهدات واتفاقيات السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي واتفاقيات التعاون والشراكة الدفاعية مع الولايات المتحدة وحلف الناتو التي تعززت بتداعيات ما يوصف بـ ـ«الربيع العربي»  

السابق
بثينة شعبان ترد: ما يجري مهاترات وسجالات فقط
التالي
الحرب مفتاح السلام!