غير قابل للاهانة

ن اهود باراك غير قابل للاهانة. ففي جدالاته مع الخصوم يمكنه ان يكون داهية ويمكنه ان يكون منتقما لكنه لن يعترف أبدا بأنه شعر بالاهانة. فحينما يقولون كلاما ينددون به وهم يقولون الكثير يقسِم شخصيته فورا: فيبقى نصفه في الميدان ليحارب عما له، في حين يرتفع النصف الآخر الى أعلى مكان العرض يشرف من هناك على الجلبة، وباراك لا ينقض في غضب على خصومه بل يفسر كلامهم ويتفهمهم ويسخر من سخافتهم؛ بل انه احيانا يُطريهم بطريقة تجعلهم على نحو ما أكثر تعرضا للسخرية. وكان باراك يستطيع ان يكون صاحب عمود صحافي ممتازا.

في المعركة الانتخابية التي بدأت الآن يؤدي باراك دورا لم يؤده قط. فهو ديك غفران نتنياهو. وعلى ظهره ستُلقى جميع خطايا الحكومة الحالية في نظر ناخبيها المواجهة مع ادارة اوباما، والبئر العميقة في الميزانية، واخلاء ميغرون وحي الاولبانة، واستمرار مشروع ايران الذري. ولن يكون نتنياهو إبن النور اذا لم يُعرض بازائه إبن الظلام. وباراك هو الاسرائيلي الوحيد الذي يمكنه ان يؤدي الدور.
وهو ايضا بطاقة دخول وزراء الليكود الى العشرية الاولى. ان منتسبي الليكود يقومون عن يمين وزرائهم بعيدا الى اليمين وهم لن يعطوا اصواتهم لوزير يكتفي بالهجوم على أبو مازن بل يحتاجون الى عدو أقرب، ومحسوس أكثر وباراك يقدم السلعة.

لا ينبغي ان نُخرج من جملة الامكان ان يكون هذا في نهاية الامر من مصلحته. فالهجمات عليه ستمنع دفعه الى هامش المعركة الانتخابية، فهو سيكون هناك بكامل وزنه. وكلما كثرت الهجمات عليه سيزيد احتمال ان يوجد في المركز واليسار ناخبون يكرهون الليكود يزنون التصويت له فنتنياهو يعطيه برنامجا سياسيا.
ان قيادة شاس مثلا على يقين من انه ينوي استغلال ولايته لوزارة الدفاع كي يصدر أوامر تجنيد جماعي لأبناء المعاهد الدينية. وسيكون التجنيد شعار انتخاباته والأداة التي يتجاوز بها حزب الاستقلال نسبة الحسم. ويتطرق باراك الى الربط بين التجنيد والانتخابات بسخرية. وآراؤه معروفة. لكن الصلة بين موجة التجنيد القريب والانتخابات المبكرة قد تجعل تجنيد الآباء الصغار من المتدينين شأنا ساخنا وأداة لجذب اصوات احزاب من جانبي القوس السياسية.

وهكذا في شأن ايران. ففي الجدل في عملية عسكرية اسرائيلية على ايران ما يزال نتنياهو وباراك في جبهة واحدة أو يزعمان ذلك على الأقل. وكلاهما يحث على عمل عسكري امريكي واذا امتنع الامريكيون عن العمل فعلى عملية اسرائيلية. وكلاهما يُسلم للتأجيل الى الربيع أو الصيف الذي أشار اليه نتنياهو في خطبته في الجمعية العامة.

والتأجيل الذي وصف قبل ذلك بأنه كارثة يوصف الآن بأنه قرار صحيح. ويقولان ان الايرانيين هم الذين مكّنوا من التأجيل حينما استقر رأيهم على نقل جزء من اليورانيوم الذي تم تخصيبه بدرجة 20 في المائة الى مختبر في طهران ينتج ايزوتوبات لغايات طبية. ان تحويل اليورانيوم يؤجل الموعد الذي سيكون لهم فيه ما يكفي من المادة لاعداد خمس قنابل ذرية، يؤجله أشهرا.

ان العملية الاسرائيلية التي حثها نتنياهو وباراك، كما كُتب هنا أكثر من مرة، مخصصة قبل كل شيء لامريكا لا لايران. فقد اقتنع باراك ونتنياهو بأن امريكا ستعمل فقط اذا اقتنعت بأن اسرائيل ستعمل. وقد أنفقا على الاعداد للعملية نحوا من 11 مليار شيكل نحوا من 3 مليارات دولار.
ولو أنني كنت امريكيا لاستنتجت انه توجد سخرية ما في الدولة التي تتلقى من امريكا مساعدة عسكرية سخية وتنفقها على استعمال الضغط على امريكا. ان شخصا ما قد يستنتج ان اسرائيل تعض اليد التي تُطعمها.
  

السابق
لعلاج القلق ابتعد عن الدواء
التالي
نتنياهو ممثل التنور