السيدة بثينة

إذا صحّ أنّ السيّدة بثينة شعبان متورّطة، على نحو أو آخر، بنقل متفجّرات إلى لبنان، فهذا ما يتجاوز شعبان نفسها ليعلّمنا الكثير عن أحوالنا وعمّا يحيط بنا. لا بل إنّ صلة كهذه تضع الكثير من الأفكار الدارجة عندنا أمام ورطة فعليّة أكبر كثيراً من الورطة المحتملة لشعبان.

فالسيّدة التي بدأت حياتها العامّة كاتبة تدعو إلى تحرّر المرأة العربيّة وانعتاقها، قبل أن تغدو مترجمة للرئيس حافظ الأسد، تملك من مواصفات التقدّم والحداثة الكثير. ففضلاً عن دعوتها إلى المساواة بين الجنسين، وهي ما لا حداثة ولا تقدّم بدونها، عملت شعبان وسيطة بين اللغات والثقافات. وكونها مترجمة في القصر الرئاسيّ، كان من الطبيعيّ أن تتقيّد بأعراف ديبلوماسيّة هي، تعريفاً، شديدة الحضّ على التهذيب والانضباط. بعد ذاك، عُرفت بثينة بعلاقاتها مع ديبلوماسيّين وصحافيّين أجانب كثيرين. وهذا، في أغلب الظنّ، ما قرّبها من السيّد ميشال سماحة وقرّبه منها. لكنّ الصلة بالديبلوماسيّين والصحافيّين الأجانب تفترض، حكماً، سعة الأفق والإلمام بأمور العالم الخارجيّ وما يجري فيه، بل السفر والتردّد على بلدان أجنبيّة والاطّلاع على ثقافاتها وسبل حياتها. كذلك شاع عن شعبان دور في العلاقة مع "معارضين معتدلين" للنظام السوريّ، ودور كهذا من شروطه المرونة وقابليّة الحوار، وطبعاً الاعتراف بالآخر الذي يُدار الحوار معه.

هذه المواصفات جميعاً تُلزم صاحبها بمظهر ومأكل وملبس من تلك التي عُرفت بها السيّدة أسماء الأسد. والمواكبة لـ"الموضة" ليست مجرّد شكل خارجيّ عديم الدلالة، إذ يُفترض بها أيضاً أن تنمّ عن شخصيّة وطباع حديثة يكمّلها تعلّم عذوبة الحديث ومعرفة انتقاء المفردات والمصطلحات. وهذا كلّه ممّا ينافي الشخصيّة البدائيّة القاطعة في أحكامها والجلفة في تعبيرها عنها.

بلغة أخرى، تقدّم شعبان العيّنة النقيض عن السلفيّ التكفيريّ القليل التمدّن والعديم الصلة بالعالم ومجرياته، والذي تستولي عليه أفكار بدائيّة متعصّبة وجهل باللغات والعادات والقيم التي تقع خارج دائرته المباشرة.

في هذا المعنى، تجسّد السيّدة شعبان كلّ ما نرغب أن تكونه السيّدة العربيّة، المدركة حقوقها، المساوية للرجل، التي تستطيع التعامل مع الحكّام الأقوياء بقدر ما تجيد الحوار مع معارضيهم، جامعةً بين ولاء وطنيّ للمكان الذي صدرت عنه ونوازع كونيّة تحملها على عدم الشعور بالغربة في أيّ من مدن العالم، ومع أيّ من ديبلوماسيّيها وصحافيّيها.

مع ذلك كلّه فإنّ بثينة قد تكون متّهمة بالاطّلاع على نقل متفجّرات من سوريّا إلى لبنان كي تقتل مدنيّين أبرياء.

فكيف نحلّ الغاز هذا التناقض؟ وماذا نقول في شأن التعارض مع صورة السلفيّ التكفيريّ الذي يقول البعض إنّه الوحيد الذي يتعاطى بالتفجيرات وأدوات الموت؟

نكتفي هنا بالتذكير بأنّ بعض الجنرالات النازيّين كانوا، بلياقة وقيافة مدهشتين، يستعرضون أقصى تهذيبهم الشخصيّ ويستمعون إلى بعض أرقى السيمفونيّات التي أنتجتها الموسيقى الكلاسيكيّة الألمانيّة، فيما يشرفون على حرق يهود ألمان وأوروبيّين في الأفران!
 

السابق
العشائر تتنفض على الثنائي الشيعي بقاعاً: سئمنا
التالي
المرابطون’ و’فتح’:لأوسع مشاركة في شهر التضامن مع الشعب الفلسطيني