لنا لبناننا.. ولهم لبننتهم

استميح العذر من شاعرنا الكبير جبران خليل جبران لاقتباسي من عنوان مقالته الشهيرة "لكم لبنانكم ولي لبناني" لاعنون بها مقالتي هذه, مقالته تلك التي كتبها قبل نحو تسعين عاما واجرى فيها مقارنة بين عامة الناس وخاصتهم من رجالات النخبة في لبنان, واكتشفنا بعد كل هذه السنين كم كان محقا حين تساءل فيها عن الذي سيبقى من لبنان ولأبنائه بعد مئة سنة حقا فما اشبه الامس باليوم, فرغم كل الاجيال التي عاشت على ارضه, مازال لبناننا يعاني التشرذم والتناحر بين ابنائه, بتغذية مباشرة من بعض الزعماء والتيارات التي تدعي "لبنانيتها" فيما هي ترسخ وتنشر "اللبننة" في ممارساتها, متسترة بستار الحرية الدينية تارة وبقوة قانون طائفي سائد تارة اخرى.
وعذرا جبران مرة اخرى, بعد ان اصبح لبناننا وشعبه مضربا للمثل في سمعته السيئة التي طردت من بقي مؤمنا بالسياحة اليه, بل ان اقوالا وتعابير ساخرة قد بدأت تتداول هنا وهناك كلها تساهم في تعرية البلد ونبذ شعبه امام العالم, فعندما يسأل السائح مثلا احد اللبنانيين لدى رغبته بزيارة لبنان عن اهم معالم بلده, يدهش حين يسمع منه انه لم يعد ارز لبنان الشامخ ومغارته العجائبية وقلعته الاثرية وهواؤه العليل ومازاته الشهية ما يميزه, بل اصبحت سياحة الخطف من اجل الفدية او للضغط السياسي من اهم معالمه, ناهيك بسياحة قطع الطرقات وحرق الاطارات والاشكالات الامنية المتنقلة في مختلف المناطق والتي دقت اسفينا في السياحة والاستثمار والاقتصاد وذلك بسبب الفلتان الامني المستشري او لتطبيق نظرية الامن بالتراضي, حتى ولو تحدث زعماء لبنان كافة عن وطن حر ينعم ابناؤه بالامن والرفاهية والعدل والثقافة وان بلدهم يجسد معنى العيش المشترك بأبهى صوره! فبات من حقنا جميعا ان نسأل هل مازال الافتخار بلبنانيتنا قائما كما طالبنا جبران?
ومع ان الاحداث الخارجية هي من تقسم لبنان طائفيا بسبب وجود هذه الزعامات او الاحزاب, الا انه يبقى هناك اجماع شعبي بالتمني على هذه الزعامات بالاهتمام اكثر بالامور التي يمكن ان توحدنا لا ان تزيد في انقسامنا, فالواقع اثبت ان هناك مجالات كثيرة نجد فيها ارضية مشتركة للسير عليها نحو الوحدة, فيكفي مثلا اننا متفقون على الحالة المتردية لبلدنا وعلى الاولويات التي يجب معالجتها, وعلى اهمية الهوية الوطنية والاصلاحات السياسية والاقتصادية التي ينبغي تشريعها, ويكفي عندما نسأل اي من فئات وطوائف الشعب ما ان كان بلدهم اليوم يسير على المسار الصحيح او المسار الخاطئ, فإنها تتفق على ان لبنان يسير على الطريق الخطأ.
ورغم سياسة النأي بالنفس التي اتبعها لبنان تجاه الاحداث في سورية فإنه لم يسلم من تداعيات تلك الاحداث وتأثيرها على وضعه الامني الذي بات يلفه الغموض وعلى وحدة شعبه الذي غاص في الانقسام اكثر من اي وقت مضى, وقد يقول قائل ان ذلك هو حال لبنان منذ عقود مع وجود زعماء الحرب والطوائف في البلد, فأقول: صحيح ان النزاعات بين هؤلاء الزعماء موغلة في القدم الا انها وفي ظل هذه التشجنات الداخلية والظروف الاقليمية الدولية الخطيرة جدا كالأزمة السورية والنووي الايراني فإنها باتت تهدد مصير كيان لبنان برمته.
وفي خضم زمن ثورات الجوع او الكرامة والحرية التي تجتاح محيطنا العربي, فإن اللبنانيين بحاجة الى ثورة تؤسس لربيع الانتماء الوطني من خلال انتقالهم تدريجيا من موقعهم كرعايا ملحقين بزعمائهم السياسيين والروحانيين الى مواطنين احرار متساوين في الحقوق والواجبات في ظل دولة المؤسسات والقانون, فمن حقنا وهذا اضعف الايمان ان نتمنى على زعمائنا ان تصحو من غفوتها وتدرك لبناننا وتصغي الى شعبه لتبعد البلاد عن حافة الهاوية قبل فوات الاوان.  

السابق
حبل إنقاذ دمشق وطهران في يد بوتين
التالي
توتر شديد ينذر بانفجار عنيف بين الفلسطينيين وحزب الله