الفقر المدقع في غزّة.

نريد فرصة عمل» هذا هو لسان حال غالبية الغزيين، الذين يفضلون كسب المال بعرق جبينهم بدلاً من طلب المساعدات من جهات معينة. ويعاني أهل قطاع غزة ليس من البطالة وانعدام قدرتهم الشرائية فقط، إنما من زعزعة معنوياتهم أيضاً وشعورهم بالنقص في الكرامة بسبب تردي أوضاعهم الاقتصادية، نتيجة سياسات الاحتلال العنصرية والمنهجية.
ويعاني جابر، وهو والد لستة أطفال من صعوبة تأمين لقمة العيش لسدّ جوع عائلته، وذلك بعدما توقف عن العمل في الزراعة وغالبية المهن التي كان يتقنها.
ويقول «قبل عشر سنوات كنت أعمل ميكانيكياً ومزارعاً وعامل بناء في إسرائيل، ولكن لم تتح لي أية فرصة لأقوم بعمل حقيقي منذ أن أغلقت الحدود»، مضيفاً «أعمل حالياً في مهن غير ثابتة، حتى أتمكن من إعالة عائلتي بالحد الأدنى، لكن هذا لا يكفي لرعاية أطفالي».
حالة الفقر المدقع التي يعاني منها أهل القطاع، هي التي تدفع بالأطفال لترك المدرسة والعمل في أي مهنة لمساعدة أهلهم على تأمين الدخل. وفي شوارع القطاع المتشعبة، غالباً ما يرى المتجول الأطفال منتشرين على زوايا الطرق يبيعون ألواح الشوكولا والعلكة والحلويات.
وتتفاقم الحالة مأساوية، عندما يضطر الأطفال لجمع الحجارة والحديد من أنقاض المنازل المدمرة في المناطق «الحدودية» في غزة، إذ يخاطرون بحياتهم ويعرّضون أنفسهم لنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول جابر «أصيب عشرات الأطفال عندما استهدفهم رصاص الجنود الإسرائيليين وهم يحاولون جمع الأنقاض قرب السياج الحدودي لإعادة بيعها لمواد البناء».
ويوضح مسؤول الاتصالات في منظمة «أوكسفام» في قطاع غزة كارل شمبري إنه «يمكن تجنب حالة الفقر في غزة»، مضيفاً «لا يمكن أن نقول إن الوضع في القطاع هو وضع إنساني. نحن نشهد حالة من التأخر في التنمية، وذلك بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق على غزة بعد انتخاب حركة حماس في العام 2006».
ويشير إلى أنه «بالرغم من الاحتلال الإسرائيلي، تمتع اقتصاد غزة بالقوة قبل فرض الاحتلال حظر التصدير للمنتجات الغذائية والسلع الزراعية والأثاث والنسيج، ما منع السكان من الاستفادة من السوق الطبيعية في الضفة الغربية وإسرائيل، بالإضافة إلى الأسواق الإقليمية من بينها الأردن».
وظهرت طبقة جديدة من الفقراء في القطاع خلال السنوات الخمس الماضية، وذلك بعدما فقد مئات الأشخاص وظائفهم، وأصبحوا بين ليلة وضحاها عاطلين عن العمل، إذ منعتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي من العمل في الأراضي المحتلة. ويقول شمبري «كان لهؤلاء حياة لائقة، وفجأة لم يعد لديهم دخل. واعتبر هذا ضربة كبيرة لكرامتهم».
ويخلص تقرير الأمم المتحدة الصادر في آب العام 2012 بعنوان «غزة في العام 2020: هل هي مكان يمكن العيش فيه؟»، إلى الخلاصة ذاتها، إذ يشير إلى أن «أحد الأسباب الرئيسية في عدم قدرة الاقتصاد على التعافي وبلوغ مستويات ما قبل العام 2000 هو الحصار المفروض على غزة»، مشيراً إلى أن معدل البطالة بين الشباب اللاجئين في غزة بلغ حوالي 59 في المئة.
من جهته، يقول مدير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان خليل شاهين إن اقتصاد غزة دمّر تماماً خلال الحرب الإسرائيلية بين العامين 2008 و2009، بالإضافة إلى توقف حوالي 95 في المئة من المصانع والشركات عن العمل.
وتضرر صيادو السمك بشكل رئيسي في القطاع، بسبب هجمات قوات البحرية الإسرائيلية اليومية التي أدت إلى حرمانهم من الصيد في مياه القطاع، ما اضطرهم إلى صيد الأسماك على بعد ثلاثة أميال من ساحل غزة نتيجة لقرار إسرائيلي أحادي الجانب.
وتعتبر الوظائف القليلة التي لا تزال متوفرة تحت الحصار في القطاع من أخطر الوظائف، ولكن يضطر الفلسطينيون إلى العمل في هذه الظروف الصعبة لتأمين لقمة العيش. ويعتبر العمل في الأنفاق أحد مصادر الدخل للعمال الفلسطينيين، بالرغم من أن معدل الأجر اليومي انخفض من حوالي 100 دولار إلى نحو 10 دولارات فقط.
ويقول شاهين إن ظاهرة الانتحار في القطاع هي علامة تشير إلى أن الفلسطينيين يعيشون بأمل ضئيل جداً لبناء مستقبل أفضل.

السابق
أوغلو: تركيا يجب ان تكون على أهبة الاستعداد
التالي
ضباط سوريّون قضوا في انفجار النّبي شيت