إيران في الملعب السوري الأحمر

نعم إنها سوريا الاستثنائية، حيث عبقرية الجغرافيا وعبقرية التاريخ، وعبقرية الصراع الدولي وعبقرية المصالح الإستراتيجية، كلها تتقاطع في الملعب السوري – الأحمر – فيما اللاعبون يتدافعون ويتصارعون بكل شراسة ودموية لكسب المونديال في المباراة الأخيرة الفاينل -.
وأكبر اللاعبين في الدم السوري هي إيران، التي تنفخ في جذوة النظام السوري الذي يغطيه الرماد. من اجل أن تستمر النيران مشتعلة كي تكسب المزيد من الوقت -. وهي بكل تأكيد لا تدافع عن النظام، بل تدافع عن نفسها ومصالحها في أرض الغير.
إيران التي زغردت لولادة الثورة المصرية في أيامها الأولى وانتصارها لاحقا ومعها حلفائها في لبنان تحت شعار الربيع الإسلامي، وسقوط زمن الطغاة لدرجة أن أصوات لبنانية خرجت لتقول، بأن للنظام المصري البائد أيتام في لبنان، ونسيت بأنها مرشحة بقوة لأن تصبح يتيمة لنظام آخر على حدودها، لأن مد الثورة لا يفصل على المقاس.
إيران هي نفسها الآن تعلن بأن انتصار النظام السوري حتمي، وبأنها ستربح الحرب في سوريا.
إذن هي معركة إيران المفصلية والمصيرية ضد الثورة السورية، التي تخوضها حتى النخاع بكل أذرعها السياسية والأمنية والعسكرية والمخابراتية والإقتصادية… من أجل وأد الثورة والإبقاء على النظام الأسدي بأي ثمن وبكل ثمن..
ولا تكف الجمهورية الإيرانية عن بعث رسائل إلى كل من يهمه الأمر، ليس فقط تحت عنوان بسيط ومباشر: أننا لن نسمح بسقوط بشار الأسد، بل تحت عنوان أكثر بجاحة وصراحة وهو: أننا لن نسمح بسقوط دورنا الإقليمي الكبير والعميق. أكثر من ذلك فإن إيران تهدد بأنه في حال سقوط النظام في سوريا، فإن أنظمة وعروش كثيرة في منطقة الشرق الأوسط ستهتز بواسطة الطيف الشيعي الموجود بها واليد الإيرانية التي تحركه.
فقد هال إيران – التي باغتتها نيران الثورة وخلطت أوراقها بأن ترى كل إنجازاتها وبنيتها التحتية الإقليمية وكنوزها – التي راكمتها وجمعتها خلال العشر سنوات الأخيرة جراء غباء الإدارة الأميركية السابقة وتورطها في الوحل الأفغاني ثم الوحل العراقي في مهب الرياح.
فمنذ تفاقم الأزمة السورية، انقسم الساسة الإيرانيون إلى فريقين من حيث كيفية التعاطي وحدود التعامل مع الأزمة: الفريق الأول، وهو الفريق الواقعي الذي رأى وكان تقديره بأن نظام الأسد في طريقه للسقوط عاجلا أم آجلا لعدة متغيرات إقليمية مهمة ولعوامل داخلية لا تقل أهمية، لذلك يجب العمل والتركيز على احتواء تداعيات سقوط النظام على الجمهورية الإيرانية ومصالحها الإستراتيجية والتقليل قدر الإمكان من الخسائر والأضرار، في موازاة فتح قنوات مع أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج، لكي تضمن إيران بأن تكون رقما صعبا في معادلة الحل للأزمة السورية، والاكتفاء بدعم النظام الأسدي من الخلف.
أما الفريق الثاني والذي يبدو أنه كان مقررا وكاسحا فقد أصر على الاستكبار، ووضع كل بيضه في سلة النظام السوري، وأخذ قرارا لا عودة عنه: المضي في دعم النظام حتى نهاية النهاية، وتسخير كل إمكانياته العسكرية والمالية والفنية…. ونفوذه الإقليمي للدفاع عن نظام الأسد.
فسوريا هي صانعة ملوك العجم الجدد، وهي كنز إستراتيجي للجمهورية الإسلامية الذي يسمح لأذرعها الأخطبوطية بالتمدد خارج حدودها، والالتفاف حول أعناق الكثير من الدول والكيانات السياسية، وإعادة تشكيل وصياغة العديد من الأحزاب المؤثرة في المنطقة وفقا لأجندتها ومصالحها… في العراق وسوريا واليمن وفلسطين ولبنان…، لذلك فأي ثمن تدفعه إيران لضمان بقاء النظام الموالي لها في سوريا ليس بكثير، حتى لو دمر النظام المدن والقرى فوق رؤوس قاطنيها وارتكب المجازر بحق الأطفال والأهالي العزل.
بعض التسريبات تتحدث بأن إيران جاهزة لصفقة كبرى ومصالحة تاريخية مع الولايات الأميركية، شرط ضمان أميركا لبقاء نظام الأسد. فوفقا لتلك التسريبات فإن إيران عرضت على الإدارة الأميركية عبر وسطاء نافذين سلة من الحوافز غير المسبوقة – أهما: تجميد البرنامج النووي الإيراني، إيجاد تسوية مرضية لسلاح حزب الله وتسهيل مهمة تحوله إلى حزب سياسي لبناني، وقف دعم المنظمات الفلسطينية المسلحة، بالإضافة إلى تغيير جذري في الخطاب الإعلامي الإيراني تجاه الولايات المتحدة مع بدء صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.
في مقابل ذلك، تستخدم الإدارة الأميركية جل نفوذها لمنع تسليح المعارضة السورية وخصوصا من الدول الغربية، والضغط على الدول العربية للتخلي عن دعم المعارضة بأي شكل من الأشكال، والضغط على أنقرة لرفع الغطاء اللوجستي عن الثوار…… وإطلاق يد الأسد وقوته النارية لسحق التمرد العسكري والشعبي.
و تعقيبا على إشراك مصر لإيران في اللجنة الرباعية المكلفة بمعالجة الأزمة السورية، أكد الرئيس المصري محمد مرسي بأن إيران هي جزء من الحل للوضع السوري المعقد بسبب دورها ونفوذها الإقليمي. إذن هو إقرار عربي رفيع المستوى بأن لا حل سياسياً في سوريا دون البوابة الإيرانية.
ولكن لا احد يثق بوعود إيران، ولا برزمة الحوافز إن صدقت التسريبات، ولا بما يمكن أن تقدمه إيران لتسهيل الحل في سوريا فالكل يعلم بان إيران تناور بقوة من أجل كسب المزيد من الوقت لإنقاذ النظام السوري، وان إيران ليست في وارد قيادة حل يكون عنوانه رحيل الأسد أما بقية التفاصيل فيمكن الحوار والتفاوض حولها.
  

السابق
ميقاتي مُغتبط بالدعم الدولي… ولكن!
التالي
وزير خارجية هولندا يطارد حزب الله