الجنوب يتجه إلى مجتمع عنفي

يبدو أن الجريمة وأعمال العنف والسرقة وخرق القانون في ازدياد مطرد سنوياً، بسبب الأوضاع الاقتصادية والانقسامات السياسية وتضاؤل دور السلطة وسط تضخم لدور السلطات الطوائفية والمناطقية.
ليل 27 شباط 2012 أقدم أحد الأشخاص على قتل الصيرفي محمد الناتوت في محله التجاري في مدينة صيدا، وقبل ذلك التاريخ أقدم عدد من المسلحين على اقتحام مركزاً تجارياً في صيدا وأطلقوا النار في داخله. وفي العام الفائت، قاوم عدد من الأهالي رجال الأمن الذين حاولوا منع التعدي على أرض مشاع في مدينة صور. ومنذ شهر خُطفت إحدى الفتيات في مدينة صيدا وتعرضت لعمل عنفي قبل رميها في الشارع. وقُتِل تاجر المجوهرات علي خليفة على يد سالبين في الصرفند.
إنها نماذج عن أعمال جرمية عنيفة تعرض لها مواطنون خلال مدة عام في منطقة الجنوب. وصار الحديث عن مثل هذه الحوادث عادياً، بعد أن كان يواجه بالاستهجان سابقاً.

جرائم القتل
في الجدول الذي أعدته قيادة منطقة الجنوب الإقليمية التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يتبين أن عدد جرائم القتل في عام 2010، 11 جريمة قتل، كذلك عام 2011، أما في الأشهر الثمانية الأولى من 2012 فقد بلغت عشرة جرائم أي النسبة قد زادت 34%.
أما سرقة المنازل فقد بلغت عام 2010، 421 سرقة، وفي العام 2011، 436 سرقة، وفي الأشهر الثمانية الأولى لعام 2012 بلغت 327 عملية سرقة أي بمعدل 35 سرقة شهرياً خلال العام 2010، 26 سرقة شهرياً خلال العام 2011، و41 عملية سرقة شهرياً خلال عام 2011. وتكون الزيادة قد بلغت 17%.

مقاومة رجال الأمن
بلغ عدد حالات مقاومة رجال الأمن عام 2010، ست حالات، و20 حالة عام 2011، و13 حالة عام 2012. يلاحظ أن مقاومة رجال الأمن ارتفعت عام 2012 مقارنة إلى عام 2010. إلا أنها لم تصل إلى عدد المرات في عام 2011 ويعود ذلك إلى المواجهات التي تمت عام 2011 خلال فورة البناء غير المشروع على أراض المشاع في المناطق الجنوبية.

سرقة السيارات
بلغ عدد السيارات المسروقة والتي جرى التبليغ عنها عام 2010، 78 سيارة، ومئة سيارة عام 2011، و70 سيارة في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2012. فإذا كان معدل سرقة السيارات شهرياً أكثر من 6 سيارات عام 2010، فقد وصل إلى أكثر من 8 سيارات شهرياً عام 2011، وارتفع إلى أكثر من 9 سيارات شهرياً عام 2012.

السلب
بلغ عدد عمليات السلب عام 2010 28 عملية، وانخفض إلى 20 عملية عام 2011، ليعود ليرتفع من شهر آب 2012 إلى 24 حالة. فكان معدل عمليات السلب نحو 33،2 عملية شهرية عام 2010، انخفض إلى 6،1 عملية شهرياً عام 2011، ليعود للارتفاع عام 2012 بمعدل 3 عمليات سلب شهرياً.

العنف في التاريخ اللبناني الحديث
قبل الحرب الأهلية اللبنانية، كان وقوع جريمة من هذه الجرائم تثير سخط الرأي العام وتدفع السلطة للعمل دؤوباً لاعتقال مرتكبي الجرائم العنفية، لكن الآن وبعد نحو أكثر من أربعين عاماً على الحرب، صارت مثل هذه الحوادث خبراً يمر ضمن أخبار أخرى عادية. فماذا حصل؟
يقول الباحث والناشط في التدريب الاجتماعي فؤاد ديراني: من الناحية الفلسفية لم يحسم أمر إذا كان هناك جوهر للإنسان أم لا؟ وهل الإنسان يولد خيّراً أم شريراً بالفطرة؟ لكني أعتقد أنه توجد في الإنسان بذور إبداع وخلق وبذور عنف وتدمير. فإذا تم الاهتمام ببذور الإبداع وتعزيز الرعاية لإمكانية الخلق، فالإنسان يتجه بشكل طبيعي ليكون ذو طبيعة خيّرة غير عدوانية. لكن إذا ترك الإنسان بدون اهتمام وتطوير ولتلك البذور فإنه يشعر بالقلق والخوف والشعور بالعجز نحو تحقيق الذات مما يدفعه إلى ممارسة العنف، الذي يمكن أن تطلق عليه صفة عنف تعويضي؟
ويضيف ديراني: إن شعور الإنسان بالعجز يدفعه إلى أحضان أي جماعة أو مجموعة أو سلطة. متوهماً أن تحقيق ذاته يمر عبر الجماعة التي تشكل الرحم البديل وهي يمكن أن تكون قليلة العدد أو كبيرة أو طائفة. ويشعر أنه موجود طالما هو منتمٍ إلى المجموعة. وتسود لدى البعض آراء مثل "صحيح أني فقير وغير متعلم، لكني قوي بانتمائي للجماعة". التي تمثل بنظره الشرفاء ويصبح الآخرون أبالسة". ويزيد ديراني: أن هذا التحليل يفسر كيف أن الإنسان يستخدم العنف التعويضي الذي تؤمنه له الجماعة، في غياب الأطر الشرعية التي تتعاطى معه كفرد. وحول تزايد حالات العنفي في لبنان، يوضح ديراني: العنف ظاهرة مركَّبة تتغذى من ثقافة سياسية اقتصادية اجتماعية موجودة في الوضع اللبناني، بالتوازي مع فوران في المنطقة، وغير واضحة الأفق إلى جانب انسداد أفق أي حل للوضع في فلسطين، وتزايد دورة العنف في سورية بالإضافة إلى الانقسام السياسي العميق في الداخل، كل ذلك يشكل واقعاً لممارسة العنف في مختلف أنواعه وأشكاله.
ويشدد ديراني على الجانب الثقافي من الموضوع، موضحاً: في الثقافة، فكل ما اتجهت الجماعة لتحقق ذاتها تضمن الحماية لأفرادها مقابل الولاء المطلق لها، فتتعزز ثقافة الثأر (ما يجري في الضاحية)، اقتناء السلاح (ما يحصل في مختلف المناطق اللبنانية، واللجوء إلى الحلول الفردية بدلاً من الاحتكام للقضاء. إلى جانب ذلك هناك تردٍ اقتصادي وغياب للاجتماع السياسي بين الناس، مما يدفع ليكون العنف هو الحل.
ويربط ديراني بين بدايات الحرب الأهلية، وبين ما يجري حالياً من تزايد حالات العنف، فيقول: استسهل اللبنانيون الحلول باللجوء إلى العنف، خصوصاً عند اصطدام مشروعين لطرفين: الأول رفض التنازل عن امتيازات مقابل الأمن الاجتماعي، وطرف ضاغط أعتقد أن قوته تسمح له أن يحقق له أكثر من مطالب صغيرة فصار يسعى لاستحواذ كل شيء، فكانت الحرب التي أطاحت بالوحدة الاجتماعية. وخصوصاً عندما ساد شعور بعدم الانتماء للوطن والدولة التي قامت على أساس ربعي يخدم المركز وتهمش الأطراف. فإذا كانت التنمية لم تأتِ إلى أهالي الأطراف، ذهبوا هؤلاء إلى المركز وكانوا وقوداً لدورات العنف. وحالياً لا بديل لتجدد العنف على شكل جرائم فردية أو خروج جماعي على القانون.
ويضيف ديراني حول الوضع الراهن: أننا نعيش انقسامات نعمل وفق قوانين موضوعية إنها انقسامات لا مقر لها. سابقاً كان هناك منطقتان، وإدارة لكل منها، وسلطة لكل منها، الآن حتى هذه لم تعد موجودة، تحولنا إلى عشائر، مجالس عسكرية – عائلات، مناطق. إلخ.
نلفت نظر الديراني إلى انتشار ظاهرة العنف والجريمة في الدول المتقدمة، فيجب مباشرة وبدون تردد. هناك الجرائم والعنف هي ظاهرة فردية، لا تَبَنٍّ جماعي لها وتبقى موقع استنكار واستهجان. لكن عندنا، التنفيذ فردي والتغطية جماعية. وحول مسؤولية السلطة القائمة، يختم ديراني قائلاً: ينحصر عمل أجهزة السلطة بالجزء العقاري وتتخلى عن مسؤوليتها تجاه ضحايا العنف ومعالجتهم. مسؤوليتها تأهيل البشر وليس الانتقام وخير مثال أوضاع السجون اللبنانية".
  

السابق
إحراق علم “حزب الله” بطرابلس
التالي
علوش: مسألة الحفاظ على النظام السوري هو هدف من أهداف ولاية الفقيه