مأزقٌ يتفاقم قد يُنضِجُ تسوية في سوريا؟

يقول سياسيون متابعون للأزمة السورية، إن ساحتين رئيسيتين في دمشق وحلب كانتا هدفاً لمناهضي النظام السوري منذ بداية الاحداث، اولهما ساحة الامويين في دمشق وثانيهما ساحة سعدالله الجابري في حلب، وانهم كانوا يسعون الى تحويل هاتين الساحتين، او إحداهما على الاقل الى ما يشبه «ميدان التحرير» في القاهرة، أو «ساحة الثورة» في صنعاء.

لكن الفشل الذريع في تحقيق هذا الهدف حوّل الساحتين الى هدفين لتفجيرات، كان أولها ما شهده مبنى قيادة أركان الجيش السوري في دمشق المطل على ساحة الامويين، وثانيها ما شهدته ساحة سعدالله الجابري في حلب من تفجيرات أربع أودت بحياة عشرات المواطنين وجرحت المئات.

ويضيف هؤلاء السياسيون، وبعضهم قريب من دمشق، انه بغض النظر عن الموقف الاخلاقي والانساني من هذه التفجيرات التي تظهر مع غيرها من التفجيرات التي شهدتها مدن سورية عدة، أن المعارضة أيضا تقتل شعبها، ولكن السؤال يبقى: ما هو المغزى العسكري والسياسي لتفجيرات الأمس في حلب؟

فلقد جاءت هذه التفجيرات بعد يومين من اعلان قيادات عسكرية مناوئة للنظام أنها قد بدأت معركة الحسم في العاصمة الاقتصادية لسورية والمدينة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وهي حلب. وتساءل السياسيون انفسهم في هذا السياق: هل يمكن الحسم عسكرياً او سياسياً من خلال التفجيرات الدامية؟

أم ان هذا الاسلوب قد استُخدم في دول عدة كالعراق والجزائر التي شهدت أكثر من انفجار ضخم امام مبنيي القصر الجمهوري ورئاسة مجلس الوزراء؟ كذلك تساءل هؤلاء ايضاً: كيف تقبل جهات تدعي الدفاع عن حياة السوريين وصون حقوقهم لجوء مجموعات محسوبة عليها الى مثل هذه التفجيرات التدميرية المرعبة، فيما تعجز عن استعادة احياء كانت تسيطر عليها ونجح الجيش السوري في إخراجها منها؟

واذا كانت اوساط النظام السوري تعتبر أن مثل هذه العمليات يشكّل دليلا على افلاس المسلحين وعلى غربتهم عن نسيج المجتمع السوري، فإن المراقبين المحايدين يرون في هذه العمليات تعبيراً عن مأزق متفاقم بدأ يتحكم بهذه المجموعات المسلحة، وهذا المأزق ليس ناجما فقط عن نجاح الجيش السوري في أخذ زمام المبادرة ميدانياً في كثير من الاحياء والمناطق فقط، وإنما ناجم ايضاً عن حال التقاتل المتمادية بين المسلحين والتي بدأت تتصدر معظم وسائل الاعلام العربية والاجنبية.

ويقول بعض السياسيين إن هذا المأزق بات يشمل دولاً وجهات داعمة لهؤلاء المسلحين، وبدأت تصدر عنها انتقادات لفشل المعارضة في توحيد صفوفها كمقدمة للتنصل التدريجي من دعم هذه المعارضة، وقد بات هذا الدعم عبئا سياسيا وأخلاقيا وانسانيا على هذه الدول والحكومات والجهات.

ويذهب مراقبون إلى ما هو ابعد من ذلك، فيؤكدون ان تفاقم مأزق المسلحين وداعميهم قد يكون مدخلاً لإنضاج ظروف تسوية دولية واقليمية وعربية، وحتى سورية، بعد ان بات مبرر نفض اليد ممّا يجري على الاراضي السورية قوياً على اكثر من مستوى. ويضيف هؤلاء ان هذا المبرر يزداد قوة كلما ازدادت نسبة عمليات "القاعدة" وأخواتها وحضور مقاتليها في المشهد السوري، وهو الحضور الذي بات مقلقا لواشنطن ودول غربية تخشى من ان تصبح بلاد الشام، بما فيها العراق ولبنان والأردن، "أرض جهاد" لهؤلاء المسلحين، كما بلدان المغرب العربي حيث يشتد ساعد "القاعدة" وامتداداتها، ناهيك عن "أرض جهاد" في القرن الافريقي قد تمتد الى مصر نفسها، انطلاقا من سيناء، بحيث يصبح المشهد من المحيط الى الخليج مشهداً مرعباً على كل المستويات.

وعلى رغم انّ الرؤية الاستراتيجية الاميركية والاسرائيلية تحرص على اضعاف دول المنطقة دولة فدولة، وخصوصاً سوريا، فإن واشنطن وتل ابيب بالإضافة الى حلفائهما يتخوفون من ان تجرف هذه الفوضى مصالحهم، وربما وجودهم في المنطقة.

فهل ستعتمد دول الغرب، ومعها اسرائيل وبعض دول المنطقة استراتيجية "عليّ وعلى اعدائي يا رب"؟ أم انها ستنحو منحى اكثر عقلانية في التعاطي مع هذه التطورات، وتسعى الى إبقائها تحت سقف تسوية يعتقد البعض أن خيوطها قد رسمت في المكسيك بين الرئيسين باراك اوباما وفلاديمير بوتين، واتُفِق على تأجيل الشروع بها الى ما بعد الانتخابات الاميركية مطلع تشرين الثاني المقبل؟

التطورات المرتقبة في قابل الايام ستحمل الاجابة عن هذا السؤال…

السابق
سورية تستحق محاولة من الأخضر
التالي
أوباما في بازار طهران