كيف تخدم النسبية حزب الله؟

 ليس مفهوما حتى الآن المنطق الذي تشيعه «قوى 14 آذار»، خاصة تيار «المستقبل»، بأن النسبية تخدم «حزب الله» في الانتخابات النيابية. واذا صح ان النسبية لا تخدم المحدلة الكبرى لدى هذا الفريق، فكيف يمكن قراءة موقف الاقليات المسيحية صاحبة المصلحة الاولى في النسبية، الا المسايرة لهذه المحدلة؟
لا يختلف اثنان على أن فكرة النسبية قامت على اساس حماية الاقليات، سياسية أو عرقية أو دينية، وهي فكرة عادلة تؤمن التمثيل الصحيح لجميع شرائح المجتمع، اي مجتمع. وليس أكثر ظلما لهذه الاقليات من قوانين الانتخاب الاكثرية التي تستبعد 49 في المئة من شريحة ما، لصالح 51 في المئة من هذه الشريحة. وعليه ليس في قدرة مسيحيي «14 آذار» اقناع أحد بأن النسبية ليست في مصلحتهم، أو انها تحرمهم من اختيار ممثليهم في البرلمان بكرامة ومن دون منّة من أحد.
في ظل هذه المعادلة لا يجب ان يختلف اثنان على ان النسبية ليست في مصلحة المحادل الانتخابية، وهي معروفة ومحصورة في لبنان، وبينها «حزب الله» وحلفاؤه في اللوائح الانتخابية. وما ينطبق على الحزب ينسحب على تيار «المستقبل» بصفته احدى المحادل الكبرى. وقد اثبت النظام الانتخابي الأكثري الذي سارت عليه البلاد منذ الاستقلال هذه المعادلة غير الخاضعة للنقاش. وعليه، فإن القول بأن النسبية تخدم «حزب الله» يحتاج الى الكثير من التدقيق والصدقية.
اذا كانت النسبية تخدم «حزب الله» فهذا يعني أحد افتراضين لا ثالث لهما:
1 ـ الافتراض الاول أن الحزب يتمتع بغالبية ساحقة تفوق الـ95 في المئة في مناطق نفوذه الانتخابي، ويحظى ايضا بأقلية وازنة خارج هذه المناطق. واذا كان في الافتراض الثاني بعض الحقيقة في منطقة ما، فإن الافتراض الاول لا يقرب من الحقيقة بشيء، اذ ان الانتخابات النيابية منذ العام 1992 أكدت ان اللوائح المشتركة للحزب وحلفائه، يمكن اختراقها بنسب معقولة، سواء في الجنوب او البقاع او منطقة بعبدا. وبعيدا عن هذا المنطق وذاك، فإذا كان الحزب يتمتع بهذه الأغلبية الساحقة فعلا، فليس على الآخرين الا الرضوخ للارادة الجماهيرية والشعبية التي يتغنون بها وينظمون القصائد على شرفها.
2 ـ الافتراض الثاني هو ان خصوم الحزب، وخاصة تيار «المستقبل»، يعلمون مسبقا ان النسبية ليست في مصلحتهم، وهو افتراض منطقي سندا الى نتائج الانتخابات النيابية السابقة، سواء في بيروت او الشمال والبقاع. وعندها يصبح من حقهم رفض النسبية من دون التذرع بالسلاح و«حزب السلاح» وادخال الناس في الأوهام والتعمية الواهية.
وهنا لا بد من الركون الى حقيقة واقعية، وهي ان قوة «حزب الله» ليست في عديد نوابه في البرلمان، وهم لا يمثلون اكثر من عشرة بالمئة من عديد المجلس النيابي. ان قوة «حزب الله» نابعة من عاملين اساسيين: قوته الذاتية اولا على المستويين الشعبي والمعنوي من حيث هو حركة مقاومة مناضلة تحررية، وكونه ثانيا ركنا اساسيا في بلد يعتمد النظام الطائفي، بحيث لا يمكن تجاهله او عزله في اي معادلة، شأنه شأن كل القوى السياسية الوازنة، وحتى غير الوازنة في هذا البلد.
يبقى ان الانتخابات النيابية في لبنان لم تكن يوما معيارا للسلطة ايا كان قانون الانتخاب. ولم يثبت مرة واحدة ان الاكثرية النيابية قادرة وحدها على ادارة البلد في ظل النظام الطائفي المعمول به منذ انشاء «دولة لبنان الكبير». والحكومة الحالية اكبر مثال على ذلك. ولا يتوهمن أحد ان نتيجة الانتخابات المقبلة ستقلب هذه المعادلة رأسا على عقب، الا اذا كان أحد يطمع بها لانتخابات رئاسية مقبلة على حد ما يشير اليه الرئيس نبيه بري. لكن الجميع يعلم سلفا بأن رئيس الجمهورية في لبنان لم يعد ملكا متوجا في جمهورية تستطيع فيها اي طائفة، صغيرة ام كبيرة، استخدام حق النقض «الفيتو».

السابق
حزب الله وعودة الجيش إلى ضاحيته!
التالي
سورية تستحق محاولة من الأخضر