حزب الله وعودة الجيش إلى ضاحيته!

ارتاحت قيادة "حزب الله" للعمل المهم الذي قامت به أخيراً قوات من الجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية للعاصمة. فهو حرّرها من "تهمة" انها قررت خطف مواطنين اتراك في لبنان رداً على خطف "الجيش السوري الحر" 11 مواطناً لبنانياً شيعياً كانوا عائدين من زيارة العتبات المقدسة، بل رداً على عدم مبادرة تركيا حليفة هذا الجيش الى إطلاق هؤلاء اللبنانيين الذين لا موجب لخطفهم. وحرّرها من تهمة أنها علمت بقرار خطف الاتراك ولم تفعل شيئاً لمنع تنفيذه، بل على العكس من ذلك شكّل عناصرها درع حماية للمنتفضين في الشارع احتجاجاً على الخطف. وحرّرها من تهمة قطع طريق المطار كلما اقتضى التأزم السياسي أو التصعيد ذلك. وارتاحت ايضاً لأن عمل الجيش جنّبها مواجهة مسلحة مع جمهورها، وخصوصاً بعدما تجرّأ بعضه على النزول الى الشارع وبسلاحه، وعلى التصرّف بكثير من الاستقلالية عن الحزب، الأمر الذي أمّن للأعداء والأخصام قضية للاستغلال. وارتاحت قيادة "حزب الله" ثالثاً لأن خطوة الجيش طمأنت شعبها وجمهورها الذي كان بدأ يضج من انفلات السلاح والمسلحين سواء من "الحزب" او من "الحركة" أو من خارجهما، ومن الفلتان الامني، والإتجار بالممنوع، والاعتداء على الناس في املاكهم وارزاقهم وارواحهم. وارتاحت اخيراً لأن ما قام به الجيش لم يكن غصباً عنها، بل ما كان ممكناً تنفيذه وبنجاح لولا موافقتها ودعمها، وتحديداً لولا رفعها غطاءها المذهبي والسياسي والامني والعسكري عن الذين كان مطلوباً جلبهم أمام العدالة. وبذلك يكون "الحزب" حقق هدفين مهمين. الاول، إعادة الطمأنينة الى شعبه أو بعض شعبه في ضاحية بيروت. والثاني، التأكيد مرة جديدة لكل الناس ان تجاوزه صعب جداً بل مستحيل، مثلما هو تجاوز الفاعليات الطائفية والسياسية والمذهبية الاخرى رغم الخلل الواضح في ميزان القوى بينه وبينها. وهذا الواقع ربما يكون صدم لبنانيين كثيرين ظنوا ان "حزب الله" سائر نحو الضعف بسبب حرب سوريا، وينتابه القلق الدائم على مصيره ويخشى ان "تفرِّخ" هذه الحرب حركات أو منظمات او تجمّعات تشبهه من حيث "التطرف" والتسلح والمربعات الأمنية، وتهدّده مستقبلاً إذا سكت عليها قبل استكمالها اسباب القوة والمنعة. وصدم لبنانيين آخرين ظنوا ان "قيامة" الجيش حصلت، وإنه سيستمر في القيام بواجبه حتى تنظيف لبنان من كل الجهات الداخلية التي تهدد استقرار شعبه وشعوبه، ومن سلاحها. ومن شأن ذلك الإفساح في المجال أمام "قيامة" الدولة اللبنانية التي هي في عداد الأموات فعلياً.
و"الصدمة" في محلها لأن "الحزب" لا يزال في مواقعه وبكامل قوته، ولأنه استفاد من جيش "الدولة" المهرهرة لإزاحة بعض العقبات من طريقه، ولأن سلاحه لا يزال عصياً على المطالبين إما بنزعه وإما بتسليمه الى الدولة، ولأن مشروعه الايديولوجي السياسي – الديني – الوطني – الاقليمي لا يزال هو هو من دون اي تغيير. والصدمة في محلها ايضاً لأن هناك مناطق اخرى في لبنان مشابهة للضاحية وأخرى مناقضة لها في أمور عدة مهمة جداً لا تزال عصية على الجيش لأسباب عدة قد يكون ابرزها عدم حصول الدولة على غطاء ثابت ونهائي من فاعلياتها السياسية والطائفية والمذهبية لكي يقوم الجيش بما يجب ان يقوم به. وهذا الواقع هو مصدر صدمة ثالثة للبنانيين كثيرين أحيت عندهم "عملية الضاحية" إذا جاز تسميتها كذلك اوهام "الجيش هو الحل" أو "لا حل إلا بالجيش"، وكلها شعارات تتجاهل الواقع اللبناني، وتتجاهل ان تحوّل شعارات كهذه واقعاً ينهي لبنان وحرياته وديموقراطيته الشكلية. وهذا أمر حصل في لبنان جزئياً وأكثر من مرة، وحصل في المحيط العربي للبنان أكثر من مرة.

لماذا كل هذا الكلام؟
لأنه يمهّد لكلام "الحزب" عن عملية الضاحية الجنوبية وما سبقها وما قد يلحقها وعن موقفه من الدولة وأدواتها، وخصوصاً الأمنية منها، الأمر الذي يوضح أموراً عدة ويبقي في الوقت نفسه أموراً اخرى غامضة وأموراً ثالثة للاستقراء والاستشراف. وكلام "الحزب" هذا نقله قريبون جداً من قيادته وفيه الكثير من المصارحة ومن "اسرار" مرحلة "الخطف والخطف المضاد"، ومن شرح للرد الذي قامت به قيادته لحمايته ولطمأنة شعبها، ولعدم الانجرار الى فتنة، ولعدم الدخول في مرحلة تحدٍ مع الجيش والمؤسسات الأمنية والعسكرية. ماذا تضمّن هذا الكلام؟
■ ملاحظة: ورد خطأ في السطر العاشر من المقطع الأول من العمود الثاني في "الموقف" أمس جملة "ضد يهود أميركا". والصحيح "من يهود أميركا".

السابق
النهار: النبي شيت تواكب حلب بانفجار ملتبس تبريد مأزق قانون الانتخاب بلجنة ثُمانية
التالي
كيف تخدم النسبية حزب الله؟