بري يتصرّف على أساس أنه “ملك الاستحقاق”

الذين هم على تماس متواصل مع "مناخات" رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا يستغربون اطلاقاً هذا الفيض من التصريحات اليومية التي يطلقها حيال موضوع قانون الانتخاب الذي دخل نظرياً مرحلة التبلور الفعلي والانضاج العملي الى ان يقضي الله امراً كان مفعولا في هذا الصدد، فالمعلوم أن رئيس السلطة التشريعية يعتبر نفسه المعني الأول والأخير بالاخراج العملي لهذا الموضوع الخلافي الشائك في خاتمة المطاف وذلك بناء على اعتبارات وتجارب عدة لم يمر عليها الزمن، ابرزها:
ان بري يعتبر نفسه العراب الاول لصيغة التحالف الرباعي الذي رعى قانون الانتخاب الذي على اساسه جرت انتخابات عام2005.
– ان المقربين من بري يعتبرون ايضا انه كان له الفضل الاول في اقناع رفاقه في فريق المعارضة آنذاك بمضامين اتفاق الدوحة الذي انعقد في رحاب العاصمة القطرية في اعقاب احداث ايار عام 2008.
– اضافة الى ذلك يتصرف بري على طريقة بعض الملوك والغمامة الحبلى بالمطر اذ كانوا يخاطبونها "امطري أنى شئت فخراجك لي". فالأطراف اللبنانيون سيتساجلون طويلاً حول قوانين الانتخاب، لكنهم في خاتمة المطاف سيأتون اليه لكي يؤدي دور القابلة التي ستشرف على توليد القانون الموعود بصفته الرسمية كرئيس للسلطة التشريعية وبصفته السياسية أيضاً حيث يؤدي دور حجر الرحى بين مكونات حلفه السياسي، خصوصا في المحطات التشريعية والدستورية الكبرى على غرار التجربتين الماضيتين.
وفي المقلب الآخر من الحياة السياسية، فان بري يقيم على ثقة تامة بأن الفريق الآخر وإن ابتعد عنه طوال العامين المنصرمين، و"هدده" صراحة على موقع "تويتر" ابرز رموزه الغائبين بحرمانه الموقع المهم الذي يشغله بلا انقطاع منذ عام 1992، فانه سيأتي حين من الدهر ليس ببعيد وسيعود الى كنفه ليطلب منه عوناً ومدداً في ايجاد تسوية لموضوع قانون الانتخاب، والتفاهم سلفاً على الخطوة العريضة للمرحلة المقبلة الا اذا شاء هذا الفريق ان تبقى الأزمة مقيمة والاشتباك السياسي على اشده.
وثمة من الذين هم على تواصل مع مناخات بري من يدرج الزيارة المفاجئة التي قام بها قبل اقل من اسبوعين، رئيس "كتلة المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة الى عين التينة في خانة انها رسالة اولى تنطوي على أبعاد ومقاصد شتى ستتبلور وتتضح بعد حين، وان كانت ثمارها السريعة قليلة ومتواضعة، ولم تغيّر في طبيعة المشهد السياسي المرسوم منذ زمن حرفاً بعد حرف.
وعليه، فان ثمة من يرى أن بري الذي بات على بيّنة ودراية بطبيعة اللعبة السياسية في لبنان والحدود التي يمكن أن يذهب اليها اللاعبون على مسرحها، على يقين من "عدة" شغل اي فريق يجد نفسه وقد مني بخسارة ما او نكسة معينة يذهب اولاً في اتجاه التصعيد الى حدود اعلان الرغبة في القطيعة التامة مع الخصم ورمي قفاز التحدي في وجهه الى أن يأتي زمن يعود فيه "المستفزون" و"المستنفرون" الى هدوئهم وبالتالي لا يجدون بداً من البحث عن تفاهمات بعيدة عن الأضواء.
واذا كان بري كسواه من اللاعبين المحترفين في البلد، يعي أن الرهان على نتائج الحدث السوري وتطوراته الميدانية والسياسية أمر قائم ولا ريب في حسابات كل الأطراف، وخصوصاً تلك التي رفعت شعار الدعوة الى دعم معارضي هذا النظام والداعين الى اسقاطه، فهؤلاء جاهروا مراراً بأن لسقوط هذا النظام تداعيات شديدة الوقع والصدى على الساحة اللبنانية. لكن بري بات على يقين من ثابتتين اثنتين، أولاهما ان الأزمة في سوريا مديدة، والثانية ان الحسم فيها ليس وشيكا، وبالتالي فان الآمال المعقودة على ثمار اسقاط النظام ظلت آمالا ولم تتحول واقعاً يُبنى عليه وتُصرف في اللعبة السياسية اللبنانية.
بناء على كل هذه الوقائع والمعطيات مجتمعة ومتفرقة، اطل بري في الآونة الاخيرة ليجعل من موضوع قانون الانتخاب وما يتمحور حوله من سجالات وصراعات وطموحات شغله الشاغل، فاللعبة لعبته المفضلة والاستحقاق الوشيك هو سيده وبالتالي لا يدع فرصة تمر، إلا يبادر الى توجيه دعوات وتحذيرات ورسائل ضمنية مبكرة للأطراف المعنيين بهذه اللعبة، فحواها ان عليكم الكف عن المبالغة في الرهانات، والاسراف في رسم السيناريوات المبنية ضمناً على "كسر الخصم" أو اجباره على الخضوع لمعادلات جديدة مستحدثة، فتلك أمور ما هي الا "مغامرات" غير مأمونة العواقب.
وفي هذا السياق دون سواه يندرج في رأي العارفين بمناخات بري كلامه الاخير عن ان هناك من بادر الى فتح معركة رئاسة الجمهورية باكراً وبدأ يعمل لها منذ الآن.
وهذا الكلام موجّه الى أولئك الذين يتصرفون وكأن وصولهم الى الرئاسة أمر شبه حتمي، أو اولئك الذين تراودهم فكرة التمديد، وكلاهما يبني حساباته وآماله وطموحاته على مآل التطورات في الساحة السورية.
وعليه، فان بري يرسم من الآن الخطوط الحمر امام الجميع، رفاق صف او خصوماً، ويسعى ليضع قواعد صارمة للعبة، وبين هذا وذاك يبعث لمن يعنيهم الامر برسالة شديدة اللهجة فحواها أنه ليس من صنف السياسيين الذين يسهل الاستغناء عنهم او التهديد بازاحتهم، كما توعدوا قبل اشهر عدة علانية. وحيال ذلك كله فان من هم على تواصل مع بري يرون أنه لا يخشى كثيراً هذه الكثرة من مشاريع قوانين الانتخاب وهذا الصخب المستمر حول هذا الاستحقاق لأنه ضمناً على ثقة بأن الجميع سيتجاوبون معه في خاتمة المطاف مع سعيه لاقرار تسوية تنعقد حول قانون انتخاب وسطي لا يعيد الأمور الى قانون الـ1960 وليس بالضرورة الذهاب الى المشروع الذي يراه فعلاً انه الأنسب اي الدوائر الكبرى على اساس النسبية.  

السابق
مهمة عاجلة
التالي
إنتخابات.. وأولويّات