برجوازية الإخوان المسلمين

معضلة بعض القوى الليبرالية المصرية أنها ترى المشكلة في الوقت الراهن هي وجود قوى اسلامية سياسية (الإخوان المسلمين) على رأس السلطة، أي أنها تحصر الصراع بين قوى مدنية وبين قوى دينية سياسية.
وفي الواقع فان هذا الصراع هو جزء من المشكلة وهو ليس الصراع الرئيسي، وأنا شخصياً أرى في مفهوم «مدني» اغفالا لحقيقة التناقض الرئيسي، نعم صحيح أن القوى الاسلامية تسعى لتنفيذ أجندة خاصة لأسلمة القوانين، ولكنها أيضاً تسعى للحلول مكان نظام مبارك وليس بديلاً عنه أو نقيضاً له، وأدواتها في تقييد الحريات واستخدام التعسف الأمني والاستيلاء على مقدرات مصر هي أدوات نظام مبارك نفسها الذي ما زالت «فلوله» في حلف واضح مع الإخوان، بل ان الاخوان زايدوا على مبارك بتشريع قوانين لتقنين التظاهر والاضرابات العمالية وخصم رواتب المضربين وقمعهم، وكشروا عن أنياب أكثر حدة من أنياب مبارك.
كنت في طريقي من مدينة أكتوبر الى القاهرة عندما استوقفني في الطريق مجموعة من الطلبة والأساتذة الجامعيين من «جامعة النيل» وسلموني منشوراً، مفاده أن العالم الكبير «زويل» الفائز بجائزة نوبل استخدم نفوذه دون وجه حق للاستيلاء على الجامعة بأراضيها الشاسعة ومبانيها ليقيم مشروعه عليها وهي لم تخصص له.
وعلى اثر هذا الاعتصام تم استخدام العنف ضد الطلبة، في اشارة الى أن حزب «الحرية والعدالة» منذ وصوله الى الحكم، بدأ مسيرته بالعدوان على القانون، فالمسلسل بدأ بالغاء الرئيس محمد مرسي الاعلان الدستوري المكمل الذي أقسم اليمين طبقاً له، ثم ضرب بحكم المحكمة الدستورية عرض الحائط واستولى على على السلطتين التشريعية والتنفيذية وكذلك السلطة «التأسيسية»، وأصبح ديكتاتوراً من نوع جديد.
ثم جاءت طامة كبرى أخرى وهي منح الرئيس لنفسه كل الأوسمة والنياشين الرسمية العليا في جمهورية مصر العربية، ليس لمجرد التباهي ولكن لأن كل نيشان أو وسام أوقلادة أو وشاح يرافقه مبلغ مالي يقدر بمئات الآلاف من الجنيهات، ومجموعها يكفي لاعالة عدد كبير من العائلات المصرية لعدد من السنوات، وهو ما يعد اعتداء سافراً على المال العام، علماً بأن جمال عبدالناصر لم يمنح لنفسه وساماً واحداً.
كما أن قرض صندوق النقد الدولي الذي كان الإخوان قد أفتوا أنه «حرام» على المجلس العسكري، أصبح بقدرة قادر «حلال» على الإخوان عندما وصلوا الى سدة الحكم، ورغم ادعاء مرسي ومن ورائه «حزب الحرية والعدالة» بأنهم سيطبقون «العدالة الاجتماعية»، الا أن المصادر كشفت أنهم يملكون مدارس خاصة وعقارات ضخمة، وفوجئ الرأي العام المصري باستقبال الرئيس مرسي للمدير التنفيذي «لبريتش بتروليوم» الانكليزية و«آر. دبليو. آي» الألمانية، ومعهما المنسق المصري هشام مكاوي وسط هوجة اعلامية بنجاح الإخوان في جذب الاستثمارات الأجنبية، رغم التحفظ عليهما من العديد من خبراء البترول والاقتصاد لحصول الشركتين على كامل الانتاج واعادة بيعه لمصر بالسعر العالمي وبأدنى من أسعار عقود الغاز الخارجية والداخلية.
اذا الأمر لا يتعلق بدولة «مدنية ودينية» فقط، والصراع الحقيقي هو صراع طبقي بين الشعب ومصالحه وبين طبقة رأسمالية جديدة تريد أن تستحوذ على مقدرات مصر، ولا بأس من بعض البهارات الدينية لقهر احتجاجات العمال والجماهير الكادحة وخداع البسطاء، وبالنهاية سنكتشف أن بعض القوى الليبرالية «المدنية» التي تمثل مصالح الطبقة البرجوازية الكبيرة ستشكل حلفاً طبقياً مع برجوازية الإخوان المسلمين.
  

السابق
سوريالية الثورة
التالي
سوريّة: الامبراطوريّة والجمهوريّة الديموقراطيّة