المحكمة الدولية: تضارب مصالح القضاة؟ 

عقدت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري جلسة علنية برئاسة القاضي دايفد باراغوانث، أتيح خلالها لمحامي الدفاع تقديم دفوعهم بعدم شرعية إنشاء المحكمة وعدم اختصاصها في جريمة اغتيال الحريري. وكان محامو الدفاع عن المتهمين الأربعة المنتسبين الى حزب الله قد طعنوا في قرار أصدرته غرفة الدرجة الأولى أكّدت من خلاله قانونية المحكمة واختصاصها للنظر في اعتداء 14 شباط 2005. فغرفة الدرجة الأولى كانت قد ردّت دفوع الدفاع في تموز، معلنةً أنّها لا تملك سلطة النظر في قرار صادر عن مجلس الأمن، وأنّ لبنان لم يدّعِ رسمياً أنّ المحكمة تشكّل انتهاكاً لسيادته. لكنّ المحامين شدّدوا أمس على أنّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تجاوز حدود سلطته عندما اعتمد القرار 1757/2007 الذي أنشئت المحكمة بموجبه، لأن الجريمة لا تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وأضاف المحامون أنطوان قرقماز وجون جونز (دفاعاً عن مصطفى بدر الدين) ويوجين اوسوليفان وإميل عون (دفاعاً عن سليم عياش) وفينسان كورسيل لابروس وياسر حسن (دفاعاً عن حسين عنيسي) ودايفد يونغ وغينايل ميترو (دفاعاً عن أسد صبرا) أنّ لغرفة الاستئناف سلطة إعادة النظر في قانونية القرار وإعلان أنّ المحكمة الخاصة بلبنان أُنشئت خلافاً للقانون، ما قد يعطّل عملها بالكامل. غير أن جلسة أمس لم تأت بمفاجآت، إذ إن القضاة الخمسة، ومن بينهم القاضيان اللبنانيان رالف رياشي وعفيف شمس الدين، بدوا متمسكين بشرعية المحكمة انطلاقاً من تمسّكهم بوظائفهم، علماً بأن إصدارهم حكماً بعدم شرعية المحكمة سينهي عملها وسيعيدهم بالتالي إلى بلادهم بعيداً عن «عاصمة العدالة الدولية»، كما يلقّب الهولنديون مدينة لاهاي. تضارب مصالح القضاة شكّل جزءاً من مرافعة المحامي قرقماز تحت قوس المحكمة أمس. وبعد أن أشار المحاميان أوسوليفان وعون إلى أنّ «قرارات مجلس الأمن ليست محصّنة ضد الطعون»، مستشهدين بقرار كان قد صدر عن الرئيس السابق للمحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي، وبعد أن شدّد المحاميان قرقماز وجونز على أن إنشاء المحكمة يصب في صالح فريق سياسي على حساب آخر، رد القاضي رياشي على مفهوم الجرائم الدولية كما عرضه الدفاع. أما القاضي شمس الدين فادّعى أن هناك تناقضاً في ما يقوله الدفاع لجهة عدم الصلاحية، إذ إن ميثاق الامم المتحدة يمنح مجلس الأمن الدولي، بموجب الفصل السابع، قانونية إصدار القرار 1757/2007. ولكن بينما يُستبعد أن يكون الـ«بريستيج» الدولي والرواتب المرتفعة والمخصصات الاستثنائية التي يحصل عليها القضاة، كافية لترجيح دفاعهم عن شرعية المحكمة، فإن للدعم الدولي للمحكمة على أعلى المستويات تأثيراً قوياً. فالدعم الإعلامي والمالي والسياسي الأميركي والأوروبي لمحكمة دولية تجرّم حزب الله قد يمنح قضاتها آفاقاً لمستقبلهم المهني أو السياسي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. أما إقدام أي منهم على مخالفة الأحكام الصادرة مسبقاً بحقّ المنتسبين إلى الحزب، فلا يصبّ في مصلحتهم.
المتحدث باسم المحكمة الدولية مارتن يوسف لديه رأي مخالف، إذ قال أمس لـ«الأخبار» إنه يستبعد أن يسعى القضاة للحفاظ على مصالحهم الشخصية على حساب العدالة. وأشار إلى أن أهمية جلسة أمس أنها طرحت مسائل مهمة غير شرعية إنشاء المحكمة، حيث أثير موضوع تحديد الاختصاص للنظر في قانونية القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وهو أمر بالغ الأهمية في القانون الدولي.
على أي حال، رفع الرئيس باراغوانث الجلسة بعض ظهر أمس، على أن يصدر خلال الأسابيع المقبلة حكم القضاة. ويتابع مكتبا المدعي العام والدفاع ودوائر القضاة والقلم بعد ذلك الإعداد لانطلاق المحاكمات في 25 آذار 2013، إذا لم يتمّ تعديل قرار الاتهام، لأن ذلك سيدفع فرانسين إلى تأجيل الموعد.  

السابق
عن فيتو الفقهاء في العراق!
التالي
سوريالية الثورة