لا حسم في سوريا.. لا حسم في لبنان

لم تنته المعركة في سوريا. وبالتالي لا تغيير في لبنان. من يربط مصيره بما سيؤول اليه الوضع هناك، عليه ان يتواضع قليلاً، الى أن تتحقق آماله سوريّاً. من يأمل بأن التغيير في سوريا قريب، وأن النظام فيها سيسقط، وأن الحكم في لبنان سيأتي اليه على طبق من ذهب جراء سقوط هذا النظام، عليه أن يتحلى بقليل أو بكثير من الصبر. ففرض الآراء والمواقف، انطلاقاً من آمال لم تتحقق، لن يجدي نفعاً.
ومع الاعتذار لمن يعتقد بأن الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها، الا ان الكثير من الشك يكتنفها. في ظل الظروف القائمة اقليمياً، وتحديداً ما يجري في الساحة السورية وعدم الحسم فيها، وارتباط اللبنانيين حتى العنق بمصير سوريا، فإن القدرة على اجراء الانتخابات موضع شك. لا حسم في سوريا، يعني لا حسم في لبنان.
ما لم يتوافق اللبنانيون، مع التسامح كثيراً في معنى «التوافق»، على شكل قانون الانتخابات المقبل ومضمونه، بعيداً عن القانون الحالي، فلا معنى حقيقياً لاجرائها.

مشكلة الاطراف اللبنانية، بمعظمها، في حال تبديل القانون وتغييره، أن اي صيغة جديدة قد تعتمد للانتخابات، من شأنها ان تبين مسبقاً الرابح والخاسر فيها. أي صيغة لقانون جديد، ستمكن اطرافاً لبنانية، ومن ورائها اطرافاً اقليمية ودولية، وقبل اجراء الانتخابات، من الاحتفال بالانتصار مسبقاً، فيما تعلم اطراف اخرى، ومن ورائها اطراف اقليمية ودولية اخرى، بأنها خاسرة فيها. أي انه اقرار بالهزيمة واحتفال بالنصر، وهذا لم يحصل بعد، ولن يحصل ما دام الوضع في سوريا على حاله. قانون أكثري أو نسبي، دوائر كبرى أو موسعة أو صغرى… لا فرق.

اذا توافق اللبنانيون على قانون انتخاب، فهذا يعني انهم توافقوا، مسبقاً، على هوية الاكثرية المقبلة، وهذا يعني بالضرورة، نظراً لارتباطات اللبنانيين بالخارج، ان الاطراف الاقليمية والدولية، توافقت قبلهم وارتضت رغما عنها او بإرادتها، بالخسارة او بالربح المسبق في الانتخابات، وهذا مستبعد، في ظل الظروف القائمة حاليا، سواء في لبنان، وقبله في الساحة السورية، التي لم تحسم امورها بعد.
عدم الحسم في سوريا، او الحسم، ليس مسألة سورية داخلية، وإنما يتعداها الى الخارج، بل ربما هو في الخارج، ويتعداها الى سوريا. ولبنان هو أحد المتأثرين بالوضع السوري، بل في مقدمة المتأثرين، ولا تنفع في هذا المجال نظرية «النأي بالنفس»، على علاتها وفوائدها.

المعادلة المأمولة من قبل اطراف لبنانيين ازاء انعكاس الوضع في سوريا على لبنان صحيحة. اي تغيير او حسم في الساحة السورية، ينعكس بطبيعة الحال على لبنان، لكن الخلاف يتعلق بالانعكاس نفسه، بشكله ومضمونه. السيناريوهات الثلاثة المفترضة للساحة السورية: حسم النظام؛ او حسم المعارضة المسلحة؛ او ابقاء الوضع على ما هو عليه؛ تفرض بدورها سيناريوهات مختلفة ومتعددة ومتشعبة، في الساحة اللبنانية، لكن ليس كانعكاس ناتج عن الحرب في سوريا وحسب، بل وايضاً، كنتيجة لمكامن قوة وضعف اطراف الساحة الداخلية اللبنانية نفسها.

في لبنان، كما هو معروف، لكل جهة من الجهتين الاساسيتين فيه، مكامن قوة وضعف، مع الفارق الكبير بينهما، ويمكن للاطراف الخاسرة او الرابحة في سوريا، ان تعمل على ما من شأنه قلب النتيجة المأمولة من قبل الاطراف المقابلة. من هنا فإن نتيجة المعركة في سوريا، تنعكس على لبنان، لكن لا يمكن لاحد ان يفرض مسبقا، وبشكل قاطع، شكل هذا الانعكاس ومضمونه.

القدر المتيقن، للمرحلة الحالية، بل وربما للمرحلة المقبلة، ان لا حسم في سوريا لاي من الاطراف المتحاربة فيها. وبالتالي، لا قيمة للآمال المنعقدة على التغيير في هذا البلد، وعلى سقوط النظام، وعلى انتصار المعارضة المسلحة. الامال تبقى آمالاً، والواقع هو الفعل والنتيجة الملموسة على الارض. ولا طائل من ان يُسحب انتصار من خلال قانون انتخاب، لم يُسحب بطرق ووسائل اخرى.

من الاسئلة المطروحة بوجه المراهنين على الوضع في سوريا، الآتي: على فرض ان النظام سقط، فكيف نحسم ان سقوطه يعني انتصاراً فعليا للمعارضة المسلحة؟ ماذا عن السيناريوهات الاخرى لليوم الذي يلي سقوط النظام؟ وهل يعني سقوطه انتهاء للمعركة؟ ام انها ستتجدد وتتوسع بعناوين وطرق اخرى؟ وقبل كل ذلك، ماذا إن انتصر النظام نفسه، وهي فرضية لم تعد، ولم تكن، ضربا من الخيال؟

في الوقت نفسه، كيف لاطراف لبنانية، تأمل سقوط النظام، ان تترجم هذا «الانتصار» في لبنان؟ كيف يمكن ان تحسّن مكانتها ونفوذها على حساب الاطراف اللبنانية الاخرى؟ وهل ستقبل الاخيرة بمعادلة مأمولة، وتقف مستسلمة جانبا، بلا حراك؟ ميزان القوة في لبنان، لم يكن يسمح في الماضي، وما زال.  

السابق
مسيحيون يهمّشون أنفسهم
التالي
قضيّة الصدر: اللغز يزداد غموضاً