الدول الغربية تُقدّر تصرُّف حزب الله حاليّاً

ينطوي كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الزميلة «السفير» على رسائل عدة، وتحديداً عندما سئل «عمّا إذا كان دفاعه عن «حزب الله» يشكّل إحراجاً له أمام الدول الغربية، خاصة بقوله إنّ الحزب «يتصرّف بطريقة عقلانية»، وحيث أجاب: «هذا هو الواقع، والتعبير عنه لا يشكّل إحراجاً لي، وأعتقد أنّ الدول الغربية بدورها تقدّر هذا التصرّف من قِبل «حزب الله» في لبنان في الوقت الحاضر».

ولعلّ أبرز الرسائل التي أراد ميقاتي إيصالها تكمن في الآتي:

أوّلاً، أنّ دفاعه عن "حزب الله" أمام الدول الغربية لا يشكّل إحراجاً له، وهو إعلان واضح باستمرار التحالف مع الحزب، وإقرار بمواصلة الدور الذي على أساسه تمّت تزكيته لرئاسة الحكومة في ظلّ حاجة "حزب الله" إلى وجه يعكس الثقة لدى دوائر القرار ولا يؤدّي ترئيسه إلى قطع العلاقات مع لبنان، فضلاً عن حاجته لميقاتي من أجل تسويق الحزب وتبييض صفحته

ثانياً، أنّ الحزب "يتصرّف بطريقة عقلانية"، والدليل أنّ الحكومة، وفق ميقاتي، "التزمت بالقرارات الدولية وبتعهّداتها الخارجية كافّة"، وهذا ما يؤكّد أنه بخلاف الانطباع الذي يحاول "حزب الله" أن يعكسه بأنه يريد إسقاط الاستكبار في بيروت، فيما كلّ همّه انتزاع اعتراف من المجتمع الدولي بدوره، شأنه شأن النظامين السوري والإيراني، وفي هذا الإطار بالذات تدخل مناشدة السيّد حسن نصرالله هذا المجتمع بغية إعطاء حكومته فترة سماح لسنة قبل إصدار الأحكام بحقّها.

ثالثاً، أنّ الدول الغربية تقدّر تصرّف "حزب الله" في لبنان في الوقت الحاضر، ولكن هذا التقدير ليس مفتوحا أو "شك" على بياض، بل يتصل فقط بالحاضر، أي بإبقاء لبنان بمنأى عن الأزمة السورية، لأنّ الإرادة الدولية تريد حصر تداعيات هذه الأزمة داخل الجغرافيا السورية وعدم تحويلها إلى أزمة إقليمية، وطالما "حزب الله" ملتزم هذه الأجندة فهو محط تقدير الدول الغربية التي لا تريد أن تشغل نفسها بأيّ قضية خارج الأزمة السورية.

وعليه، لعلّ أبرز ما يمكن استخلاصه ربطاً بما تقدّم يتمثل بالآتي:

أ- إنّ الحكومة مستمرة حتى إجراء الانتخابات النيابية، وهذا في حال إتمامها، حيث إنّ قوة استمرارها متأتية من عاملين: سلاح "حزب الله" في الداخل، وحاجة الخارج إلى "الستاتيكو" في لبنان.

ب- إنّ أفضل تفسير أو الأكثر واقعية لضبط الفلتان بشكل مفاجئ بعد أن كان الانطباع المستند إلى وقائع يؤشّر إلى انزلاق البلاد إلى فوضى ما بعدها فوضى، مفاده أنّه عندما أيقن "حزب الله" أنّ المجتمع الدولي سيسحب الغطاء عن الحكومة التي تحوّلت من عامل استقرار ولو نسبيّ إلى عامل تفجير، وأن يستتبعها ربما بالتجاوب مع مطلب نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية-السورية، منح هذه الحكومة الضوء الأخضر لضبط الفلتان الذي كان الحزب وارءه بغية إعادة تعزيز رصيدها الخارجي، خصوصا أنّها من أهمّ أوراقه الاستراتيجية في هذه المرحلة.

ج- إنّ عنوان الاستقرار في لبنان الذي يبدّيه المجتمع الدولي على أيّ شيء آخر يجعله أميَل إلى تجميد الوضع فيه على الرغم من إدراكه لخطورة الدور الإقليمي لـ"حزب الله"، إلّا أنّ هذا الأمر حوّل الاستقرار إلى ورقة ابتزاز بيد الحزب، خصوصاً أنّ المجتمع الدولي حاول جسّ نبض قوى 14 آذار عند انفلات الوضع لجهة ما إذا كان بإمكانها الحفاظ على الاستقرار في حال استلامها للسلطة، والجواب بالتأكيد كان في نفي ذلك، لأنّ هذه الورقة بيد الحزب وهو يحرّكها وفق الاتجاه الذي يخدم سياساته، وبالتالي، في ظلّ هذا الواقع من الأنسب تحميل الحزب مسؤوليّة أيّ خلل يصيب الحياة السياسية بدلاً من رفعها عنه ووضعها لدى 14 آذار التي لا تستطيع ضمان أيّ شيء في ظلّ سيطرته .

د- إنّ هذا الوضع مرشّح للاستمرار حتى انتهاء الأزمة السورية، لأنّ غضّ النظر الحالي عن "حزب الله" مؤقّت ربطاً بتلك الأزمة، وأمّا محاولات الحزب تأبيد هذا الواقع عبر ابتزاز 14 آذار بغية الموافقة على القانون الذي يؤمّن له الفوز فلن تجدي نفعاً، لأنّه عندما تقترب ساعته الدولية فلن يختلف وضعه عن وضع الوجود السوري في لبنان.  

السابق
سعيد: لا ضواحي جنوبية في جبيل ولتضرب الدولة بيد من حديد
التالي
مسيحيون يهمّشون أنفسهم