الحياة: التفاهم السياسي على مرحلة ما بعد الانتخابات شرط لإنجازها في موعدها وإلاّ…

يرى النواب ان قيادة «حزب الله " ، بعيداً عن علاقاته الخاصة بالنظام السوري وتحالفه مع الرئيس الأسد، باشرت منذ فترة زمنية تشكيل خلية أزمة لمواجهة كل الاحتمالات في حال نجحت المعارضة السورية في تغيير هذا النظام انطلاقاً من تداعياته السياسية على لبنان. وهي بدأت تتحضر للإمساك، بالتعاون مع حلفائها، بالبلد من خلال ضمان فوزها بأكثرية المقاعد النيابية وهذا ما يفسر تشدد أكثر من مسؤول في الحزب في دفاعه عن اعتماد النظام النسبي باعتباره الممر الإجباري الذي يمنع المعارضة من تسجيل تفوق في الانتخابات يمكّنها من استرداد زمام المبادرة.
ولا يستبعد النواب وصول اجتماعات اللجان الى المراوحة من دون أن تحقق أي تقدم يذكر ما لم يتم، قبل إقرار القانون، التفاهم على طبيعة المرحلة السياسية التي ستفرزها الانتخابات وهي تشمل الاتفاق المسبق على رئيس الجمهورية العتيد وشكل الحكومة والحقائب الوزارية الرئيسة وأولاها تلك المعروفة بالسيادية إضافة الى رئاسة البرلمان.

كما ان هؤلاء النواب يرفضون التعامل مع ما صدر عن النائبين نواف الموسوي وعلي عمار (حزب الله) في جلسة اللجان الأولى لجهة إصرارهما على أن تجرى الانتخابات على أساس قانون جديد وكأنه رد فعل لا يلزم حزبهما بما صرحا به، ويؤكدون انهما يضغطان من أجل فتح حوار يتجاوز القانون الى التفاهم على مرحلة ما بعد الانتخابات.
ويتوقف النواب أمام المقاربة السياسية لقانون الانتخاب في السابق ويقولون ان النظام السوري قبل خروج جيشه من لبنان في نيسان (ابريل) 2005 كان يتحكم بالانتخابات النيابية ترشحاً وتحالفاً وتركيباً للوائح الانتخابية باعتبار ان كل ذلك يؤمّن له التدخل في انتخابات رئاسة الجمهورية وفي تشكيل الوزارات.ويضيفون ان تأثير النظام السوري، مع خروج جيشه، من لبنان بدأ يتراجع بدءاً من الانتخابات النيابية عام 2005، لكنه لم يفقد تأثيره كلياً بفضل حلفائه في لبنان الذين توصلوا قبل موعد إتمامها الى ما سمّي بالتحالف الرباعي مع تيار «المستقبل

والحزب التقدمي الاشتراكي وحزبي القوات والكتائب والذي قاد حتماً الى التفاهم على قيام حكومة برئاسة فؤاد السنيورة وإعادة انتخاب بري رئيساً للمجلس النيابي.
لكن التحالف الرباعي، كما يقول النواب، لم يصمد طويلاً، ليس بسبب تصاعد الاختلاف داخله فحسب، وإنما جراء توصل الأمين العام لـ «حزب الله
السيد حسن نصرالله وعون الى ورقة تفاهم مطلع العام 2006 سبقت عدوان تموز (يوليو) 2006 الذي شنته إسرائيل ضد لبنان…

وترتب لاحقاً على حرب تموز، وفق النواب أنفسهم، إعادة خلط الأوراق السياسية على خلفية تبادل الاتهامات بين قوى 14 آذار وخصومها والتي بلغت ذروتها في أحداث أيار (مايو) 2008 والتي لم تتوقف إلا بعد تدخل عربي ودولي دفع في اتجاه اقناع جميع الأطراف بالذهاب الى الدوحة في قطر وتوصلهم الى اتفاق سياسي شمل هذه المرة رئاسة الجمهورية – بعد فراغ سدة الرئاسة الأولى – بانتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وبإعادة تسمية السنيورة رئيساً للحكومة وإجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون 1960 مع بعض التعديلات الطفيفة واشتراك «التيار الوطني الحر " وللمرة الأولى في هذه الحكومة.
وبنتيجة الانتخابات عام 2009 سمّي رئيس تيار «المستقبل " سعد الحريري، وللمرة الأولى، رئيساً للحكومة، مع ان المنافسة بلغت ذروتها بين 14 آذار و8 آذار باستثناء التوافق على الدائرة الثانية في بيروت «الباشورة

وكانت على خلفية الانقسام السياسي الحاد بين حلفاء النظام السوري وخصومه.
وبصرف النظر عن الانقلاب الذي أطاح حكومة الحريري بعد خروج وليد جنبلاط من قوى 14 آذار والدور الذي لعبه النظام السوري على هذا الصعيد، فإن الانتخابات النيابية في الدورات السابقة بما فيها تلك التي أعقبت انسحاب الجيش السوري من لبنان لم تكن تجري تتويجاً للاتفاق على قانون الانتخاب وإنما محصلة للتفاهم السياسي بين الناخبين الكبار على مرحلة ما بعد إتمامها.
ويسأل النواب: «هل إن حزب الله مع إجراء الانتخابات قبل التفاهم السياسي على العناوين الرئيسة للمرحلة التي ستليها خصوصاً أنه، وغيره من الأطراف، كانوا يشترطون التفاهم أولاً؟ وكيف سيكون موقفه في الوقت الذي تمر فيه سورية بمرحلة انتقالية يمكن ان تبدل جذرياً المشهد السياسي، خصوصاً في حال اعتقاده بأن النظام النسبي وحده يدعوه للاطمئنان الى قدرته وحلفائه في الحصول على غالبية المقاعد النيابية؟
التفاهم على البدائل

لذلك، فإن غياب الحد الأدنى من الاتفاق السياسي على طبيعة المرحلة المقبلة من شأنه، كما يقول النواب، ان يعقّد مهمة اللجان النيابية في التوصل الى مشروع قانون انتخاب جديد. وكذلك فإن الإجماع المسيحي على رفض قانون 1960 لا يعني ان التفاهم سالك على البدائل طالما ان حزبي «القوات " والكتائب ومعهما بطرس حرب يؤيدون قانون الدوائر الصغرى التي يقاومها عون ويخير اللجنة المنبثقة من الاجتماع الماروني الموسع بين اعتماد المشروع الأرثوذكسي أو تبني موقف الحكومة المؤيد للنظام النسبي من دون أي تعديل، مع ان حلفاءه لا يبدون حماسة لأي قانون يجيز لكل طائفة ان تنتخب ممثلها في البرلمان.
وفي المقابل فإن جعجع يتمسك بالدوائر الصغرى وقد يطور موقفه لمصلحة تبني النظام النسبي مشترطاً تعديله لجهة تقسيم الدوائر الانتخابية وهذا ما يعترض عليه تيار «المستقبل " متناغماً في موقفه مع جنبلاط.
ومع ان «المستقبل " لا يمانع البحث في الدوائر الصغرى مراعاة منه للخصوصية المسيحية الرامية الى إتاحة الفرصة أمام المسيحيين لانتخاب أكثرية نوابهم، إلا انه يشدد على ضرورة التفاهم مع جنبلاط استناداً الى ان تبديد هواجس هذا الفريق لا يبرر إثارة الهواجس لدى فريق آخر وصولاً الى تحجيمه في إشارة الى «جبهة النضال الوطني

وأخيراً يبدو أن الآمال ليست معقودة على اللجان النيابية لتظهير الخطوط العريضة لقانون الانتخاب، وبالتالي لن تتمكن من تسجيل خرق يساهم في تضييق رقعة الخلاف ويفتح الباب أمام البحث عن مخارج للمأزق الانتخابي فيما «الانتفاضة
المسيحية بقيادة البطريرك الراعي الرافضة لقانون 1960 رسمت سقفاً لا يمكن تجاوزه من دون أن تخلق المناخ أمام توافق الأطراف المسيحيين على البديل…
ويبقى السؤال: هل ستجرى الانتخابات في موعدها إذا تعذر الاتفاق على القانون أم يصار الى التمديد للمجلس الحالي باعتبار ان قانون 1960 ما زال نافذاً لكن تسويقه يواجه «الفيتو " المسيحي عليه؟ ومن يجرؤ على اتخاذ قرار التأجيل وتحمل تبعاته محلياً ودولياً؟  

السابق
الأنوار: تصعيد في الحملات المتبادلة بين الاكثرية والمعارضة حول قانون الانتخاب
التالي
الأخبار: حزب الله وأمل مع مشروع الأرثوذكسي