الاستمرار بالانزلاق

في وقت يسوّق فيه رئيس الحكومة اللبنانية لنهجه حيال الملف السوري بالتزامن مع تسريبات من هنا وهناك، حول أهمية اللقاءات التي عقدها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، والثناء على اسلوب النأي بالنفس عن الأزمة في سورية، تتزايد سخونة الأوضاع على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية بين البلدين، مع أنباء عن تزايد نشاط وعدد المسلحين السوريين من الجماعات الإرهابية، وما يسمى بـ»الجيش السوري الحر» في مناطق لبنانية، وصولا الى تنفيذ اعتداءات على الجيش ردّ عليها هذا الأخير في ظل طرح اسئلة كثيرة حول الهدف من استهداف الجيش الذي تنأى حكومته بنفسها عن «الجارة» الأقرب.

لا يمكن تفسير هذه الاعتداءات على الجيش إلا في سياق فشل مخطط إجباره على الانكفاء وفقاً لخطة بدأت من شمال لبنان قبل أشهر، عندما تمت محاولة جره الى صدام أمني مع تيارات حزبية ذات طابع ديني بهدف إبعاده عن المنطقة هناك، من أجل تسهيل حركة المسلحين الذين يعبرون من لبنان الى سورية، ليتضح أن مبدأ النأي بالنفس جاء لينسجم مع السعي لإبعاد الجيش عن الواجهة، لكن المؤسسة العسكرية التي رفضت الخضوع للابتزاز والسكوت على الاعتداءات على عناصرها واجهت في البداية ممانعة سياسية تمثلت بفتح الأبواق عليها من فاعليات شمالية لها باع طويل في دعم نشاط المسلحين.

الحديث المتزايد عن تحركات «الجيش السوري الحر» في لبنان يعد «إشارة سيّئة» على إمكانية ضبط الأوضاع والمحافظة على الاستقرار الداخلي، ذلك أن الضغط العسكري الذي يمارسه الجيش السوري على المسلحين في الداخل يجعل من لبنان ساحة للجوء «غير النظيف» والذي من الممكن أن يتطور الى نشوء تشكيلات مسلحة غير منضبطة ولا يمكن حتى ضبطها، ما قد يعرّض الاستقرار العام المهتز أصلاً الى خضّات لا يمكن التنبؤ بمداها، لاسيما وأن المواقف الدولية التي تمّ التعبير عنها في الأمم المتحدة لم تؤشر إلا الى تصعيد الضغط على القيادة والحكومة في سورية، واللتين تزيدان من قوة مواجهتهما العسكرية للمسلحين، الأمر الذي يؤدي إلى تزايد عدد الفارين منهم الى لبنان.

تتخوف مصادر امنية لبنانية من هذا الوضع الذي يتكون تدريجياً من دون اتخاذ الإجراءات المناسبة والفعالة لمواجهته، أو الحد منه نتيجة التجاذب السياسي والانقسام الحاصل بين الفرقاء السياسيين في لبنان، وتشير الى أنه ليس صحيحاً أن الدولة وأجهزتها قادرة على ضبط الأمور، خاصة وأن المسلحين من «الجيش الحر» أو غيرهم من السوريين يسرحون ويمرحون ويقومون بنشاطات عسكرية وأمنية تحت غطاء النزوح والفرار من الحرب الدائرة في بلادهم، فيما يتمتع هذا الغطاء بصفة دولية وإقليمية واسعة النطاق وهو ما تذعن له الحكومة اللبنانية وفرقاء سياسيون أساسيون في البلد ما يحول دون قيام الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية بواجبها لمنعهم بشكل كامل.

وتضيف المصادر الى أن تعليمات كثيرة تصدر عن أجهزة حكومية وغير حكومية تمنع التعرض للنازحين الذي يؤوون عدداً كبيراً من المسلحين ومنسقي نشاطاتهم وموفري دعمهم المالي والعسكري لا سيما في مجال توفير العبوات الناسفة وتصنيعها، كما أن تلك التعليمات تصل أيضاً الى حد التحذير تحت حجة أننا كدولة لبنانية «موضوعون تحت الرقابة الدولية ومؤسسات المجتمع المدني والهيئات المعنية بحقوق الإنسان ولا يجوز استخدام العنف مع اي نازح»، وهذا بحد ذاته كف ليد الأجهزة المختصة في لبنان وتحجيم لدورها في ملاحقة هؤلاء.

وفي هذا السياق، تعلق مصادر سياسية بالقول: «إن هذا الأداء من قبل الدولة والحكومة في لبنان سيستمر بعد ما تحدثت به وسائل الإعلام عن دعم نهج النأي بالنفس الذي يهدف في الحقيقة الى خلق هذا الواقع الذي يوفر «منطقة آمنة» أو «عازلة» للمسلحين المناوئين للدولة في سورية من دون الحاجة للإعلان عنها لما يسببه ذلك من انعكاسات سلبية على الساحة اللبنانية».

وتلفت المصادر الى أن معلوماتها تفيد بأن بعض الجهات الحزبية في لبنان تقوم برصد تحركات ونشاطات الجماعات السورية في غير منطقة لبنانية لكن مخاطر ردعها ستكون كبيرة جداً على الاستقرار حالياً، وهي ترى أن مواجهتها يجب أن تكون في إطار الدولة وأجهزتها من دون غيرها الأمر الذي يحول دونه شعار «النأي بالنفس» المطبّق في حالات معينة فقط فيما يتم تجاهله في حالات أخرى عديدة.
ما يحصل في سورية يُنبئ بطول الأزمة وتشعبها عسكرياً وأمنياً في الداخل، في حين أن ما تم بحثه لبنانياً على هامش اجتماعات الأمم المتحدة يؤشر الى انزلاق هذا البلد تدريجياً باتجاه أزمة سيكون حجمها حتماً أكبر منه ومن قدرته على احتوائها ما لم يسارع الى إعادة النظر في استراتيجية النأي بالنفس التي تنظر بـ»عين واحدة».  

السابق
قانون الإنتخابات.. فيتوات متبادلة باتجاه التصعيد
التالي
نتنياهو وايران: النجاح والفشل