السنيورة: ليعبر الاتحاد بصراحة أكثر عن الخط الأحمر بشأن استقرار لبنان

استقبل الرئيس فؤاد السنيورة في "بيت الوسط" لجنة الشؤون السياسية والأمنية في مجلس الإتحاد الأوروبي وتضم سفراء الدول السبع والعشرين الأعضاء في الإتحاد في بروكسل، برئاسة رئيسها السفير اولوف سكوج في حضور سفيرة الإتحاد في لبنان انجيلينا ايخهورست، وحضر النواب عمار حوري ونبيل دو فريج ونهاد المشنوق ومحمد قباني وغازي يوسف وخضر حبيب.

في مستهل اللقاء ألقى السنيورة كلمة قال فيها: "نحن اذ ندين فيلم "براءة المسلمين" ومن هم وراءه، نود أن نؤكد موقفنا الثابت، وأنا أتكلم نيابة عن الملايين من العرب والمسلمين الذين نمثلهم أنا أو خطي السياسي، بأن لا شيء على الإطلاق يبرر الغضب الذي حصل وأودى بحياة الأبرياء، ومن بينهم سفير الولايات المتحدة في ليبيا المعروف بتعاطفه مع القضايا العربية طوال عمله الديبلوماسي. هذه الحوادث المحزنة التي ندينها بشدة ليست لاأخلاقية فحسب ولكنها أيضا مكلفة سياسيا، اذ انها تضر دائما في نهاية المطاف بالمسلمين والعرب وقضاياهم المحقة. صحيح أن حرية التعبير يجب الا تشكل اذنا للاهانة، ولكن الحرية التي اكتسبها العرب بالعرق والدم يجب الا تشكل اذنا للتعدي على حرية أو حياة الأبرياء الآخرين".

أضاف: "من الواضح أن هناك متطرفين من جميع الجهات يسعون لبدء احداث كهذه وتكبيرها والاستفادة منها. لاحظوا رد الفعل الفوري لبعض دوائر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة والهجمات لاحراج السياسة العربية للرئيس الأميركي باراك أوباما. نحن سعداء جدا أن تصريحاته اللاحقة وخطابه في الجمعية العامة أكدت دعمه الثابت للربيع العربي والتزامه التحول الديموقراطي في العالم العربي، وخاصة للانتفاضة في سوريا. كما أن الموقف الفرنسي، الذي أعرب عنه مرارا وتكرارا الرئيس فرانسوا هولاند هو أيضا دعم كبير لزخم الربيع العربي. نحن على يقين بأن الاتحاد الأوروبي سيظل مؤيدا قويا للربيع العربي، وهي حركة أسقطت جدار الصمت والخوف ووضعت العالم العربي على مسار تاريخي لا رجعة عنه، نحو مستقبل أفضل بالتأكيد. أقول هذا كصديق وكمؤمن بالعلاقات بين العرب والاتحاد الأوروبي: لقد استخدم البعض التعليقات التي ادلت بها المنسقة العليا للسياسات الخارجية والامن الاوروبي كاثرين أشتون بعد الهجمات في ليبيا ومصر على السفارات الأمريكية كذريعة للعودة إلى الحجة القديمة نفسها والتي استمرت لعقود وبررت وجود الديكتاتوريات في العالم العربي باعتبارها خط الدفاع الأول في الحرب العالمية ضد الأصولية".

وتابع: "نكون مخطئين إذا اعتقدنا مجددا أن شخصا واحدا، حزبا واحدا، أو نظاما واحدا، يمكن أن يشكل خط الدفاع الأول في مكافحة الأصولية، أو يكون الضامن لحقوق الأقليات. وحده عالم عربي حر وديموقراطي وسلمي ومزدهر، يمكن ان يكون خط الدفاع الدائم. وحدها الحقوق المدنية المتساوية، الواردة في الدساتير والمؤيدة من المؤسسات، تضمن حقوق الأقليات في العالم العربي. إن نجاح زيارة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان ورسالته المتمحورة حول التعايش كانت تذكيرا بهذه الفلسفة وشكلت تناقضا صارخا مع أصوات الكراهية، الفردية والرجعية، المرتبطة بالفيلم ورد الفعل عليه. لا بد من دعم أصوات الاعتدال في العالم العربي لوقف التهديدات التي تحاول القوات الرجعية ان تفرضها على التقدم الذي يحرزه الربيع العربي، ما يتطلب أولا وقبل كل شيء الاحترام الكامل لمسار الديمقراطية، لأن الديمقراطية تصحح نفسها".

وقال: "إن الغضب الذي نجم عن فيلم سخيف، أو الرسوم أو التهديد بحرق القرآن هي معظمها مشاعر مكبوتة من الإحباط والهزيمة. من المهم أن نكرر أن لا شيء يبرر العنف. ومع ذلك، فمن المهم أن نفهم العوامل المسببة له. لا بد من أن نعود إلى أساس المشاكل في العالم العربي، والفشل المتكرر على مدى العقود للتصدي لها، والمؤدي إلى عدم معالجة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الضرورية. فمن الضروري إيجاد حل عادل ودائم للصراع العربي الإسرائيلي من خلال إقامة دولة فلسطينية موحدة قابلة للحياة وذات سيادة، وفقا لمبادرة السلام العربية، لنجاح واستدامة الديموقراطية في العالم العربي. هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به للشعب الفلسطيني، والذي لا يزال يعاني الظلم والاحتلال منذ أكثر من 75 عاما، وهو الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به أيضا من أجل تحسين العلاقات المستقبلية بين أوروبا والعالم العربي والدول الإسلامية على حد سواء".

أضاف السنيورة: "وصلت الانتفاضة في سوريا إلى حالة محزنة جدا إذ أصبح وقوع أكثر من 150 ضحية يوميا خبرا منتظما في نشرة الأخبار. لقد وصلت الخسائر البشرية قبل يومين إلى أعلى مستوى لها على الاطلاق مع بلوغها 380 قتيلا. دعونا نتذكر معا أن الانتفاضة السورية عندما بدأت كانت أكثر انتفاضات الربيع العربي سلمية، وأنه لمدة طويلة جدا، لم يكن الشعب السوري يطلب تغيير النظام بل الإصلاحات. دعونا نتذكر أيضا أن الإسلاميين بقوا لمدة خارج الانتفاضة بانتظار رؤية اتجاه الوضع. وقد أعربت جميع الأطراف، الغرب وروسيا والعرب المعتدلون، في البداية عن قلقهم من أسلمة الانتفاضة. ان دخول بعض العناصر الإسلامية في الصراع، رغم انها محدودة، هي في الواقع نتيجة عدم إحراز تقدم في تحقيق أهداف الانتفاضة. واليوم، وعلى أبواب الحرب الأهلية تقريبا، التي سببها إصرار النظام السوري على استخدام العنف وتأجيجه لإحداث الانقسام بين مكونات الشعب السوري، فإن الفرصة تتقلص يوميا لعودة سوريا مستقرة وذات سيادة وموحدة. فوفقا لمنظمة الإسكوا، فإنه بعد استعادة السلام، سنكون بحاجة إلى 10 سنوات لتعود سوريا كما كانت عليه عام 2009. تخيلوا ما يعنيه هذا من حيث التوقعات التي لم تتحقق والإحباط وتداعيات كل ذلك".

وتابع: "لقد أدى نظام الأسد من خلال العناد واستخدام العنف الزائد إلى تدمير سوريا تقريبا، وبالتالي تحقيق هدف الأطراف الإقليمية أو العالمية، الاطراف التي أدت سياساتها إلى تدمير وشل بلد عربي آخر وهو العراق، وإزالة المنطقة العازلة بين إيران والبحر الأبيض المتوسط. وتظهر تداعيات الزلزال السوري في لبنان، أولا لأن المنطقة في حالة من التحول وجميع خطوط الصدع في الشرق الأوسط تتحرك وتتصادم في لبنان، هذه هي الديموقراطية القديمة مع التنوع الكبير بين مكونات مجتمعها، وتشمل خطوط الصدع هذه العرق والدين والسياسية والديموقراطية والحرية، وتأثير القضية الفلسطينية. ثانيا، يتسارع تدفق اللاجئين إلى لبنان وخصوصا نحو المناطق التي تعاني أساسا من مشاكل اجتماعية وخيمة. هذا يضع الكثير من الضغط علينا وبلادنا في حاجة إلى مساعدة عاجلة. ثالثا، وفيما يغرق النظام في سوريا، فإنه يحاول ان يغرق لبنان معه. ان التسجيلات في قضية الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة هي ليست ادانة لرأس المخابرات في سوريا بل لرئيس النظام السوري نفسه على الأرجح. إن التحذيرات المتكررة من رئيس الديبلوماسية الفرنسية لوران فابيوس مرحب بها، ويجب أن يكون الاتحاد الأوروبي بشكل عام أكثر صراحة في التعبير عن الخط الأحمر بشأن الاستقرار والسلام في لبنان".

وقال: "إننا نتفهم ونقدر، والواضح أننا نشارككم قلقكم وقلق المجتمع الدولي حيال الاستقرار في لبنان. لكن الاستقرار ليس، ولا ينبغي أن يكون، غطاء للامساك بالبلاد وتحويلها إلى رهينة في صراع أوسع وأكثر تعقيدا. لقد سوقت الحكومة الحالية نفسها على أنها مفتاح للاستقرار في لبنان في الوقت الذي تتم فيه تغييرات كبيرة في العالم العربي، لا سيما في سوريا. وفي هذا الاطار، تم اعتماد سياسة النأي بالنفس، وهو الأمر الذي كان يجب القيام به على مستوى السياسة. ولكن ويا للأسف، لم تلتزم الحكومة بشكل تام سياستها هذه، وكانت انتقائية للغاية في استخدام هذه السياسة. إن سياسة النأي بالنفس التي انتهجتها هذه الحكومة لا يمكن أن تكون السبب الوحيد لوجودها. ومن الواضح انها لم تؤد إلى تعزيز الاستقرار. في الواقع، لقد أدى نهج التراخي الكبير في تطبيق القانون والنظام، والذي ينبع من ايمان متواضع أو حتى غياب هذا الإيمان لدى عدد كبير من مكونات هذه الحكومة نفسها بأهمية وجدوى الدولة المركزية، إلى قرب انهيار القانون والنظام خلال فصل الصيف وإلى انحطاط صورة وسلطة الدولة. وما زاد الطين بلة، التصريحات الأخيرة للحرس الثوري الإيراني التي هدد فيها بوضوح برد لحزب الله من لبنان في حال تعرضت إيران لهجوم، في حين لم يصدر أي بيان أو توضيح عن الحكومة أو أي من مكوناتها حول السبب الذي يدفع أي شخص إلى اتخاذ قرار نيابة عن جميع اللبنانيين بتحويل بلادهم إلى قاعدة انطلاق وخط دفاع أمامي عن حق إيران في الحصول على النووي".

أضاف: "اسمحوا لي أن أكون واضحا جدا، أنا ونحن، كقوى الرابع عشر من آذار، ضد أي هجوم على إيران ولا نعتقد أن العنف هو وسيلة لحل المشاكل. إننا نقول هذا باستمرار. ولكن، من ناحية أخرى، نحن ضد استعمال بلدنا كساحة في أي صراع إقليمي أو دولي. إن هدفنا الأساسي حاليا كمعارضة هو إصلاح الضرر الكبير الذي اصاب صورة الدولة. إن عودة الدولة القوية والسيدة والمستقرة في لبنان هو شرط أساسي لأي أمر آخر: النمو الاقتصادي انخفض من متوسط قدره 8.5 في المئة بين 2007 و2010 إلى أقل من 1.5% في المئة بين 2011 و2012، ميزان المدفوعات أصبح في حال عجز يفوق ملياري دولار بعد أن كان متوسط الفائض 4 مليارات دولار بين 2007 و2010، وحساب المالية يبرز تزايد العجز وتحرك الميزان الأساسي نحو الخط الأحمر، وبالتالي فإن عودة العجز ليست أفضل وصفة لاقتصاد يكون فيه استقرار سعر الصرف أمرا حيويا، كما أن الإصلاحات الاجتماعية التي توقفت تؤدي إلى مشاكل اجتماعية أعمق في البلاد على شبكات الأمان الطبية والاجتماعية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة تقلصت بنسبة الثلث عام 2011، والودائع المصرفية تنمو الآن بوتيرة أبطأ من معدلات الفائدة والمصارف التي تقدم القروض إلى القطاع الخاص والتي تباطأت بصورة كبيرة، مما يدل على تباطؤ الاستثمار، وفرص العمل تناقصت محليا وخارجيا في الوقت الذي أصبح فيه اللجوء إلى دول مجلس التعاون الخليجي، والتي استوعبت جزءا كبيرا من القوى العاملة اللبنانية، أمرا غير متاح كما كان في السابق وهذا يرجع جزئيا إلى سياسات عدد من أعضاء الحكومة الحالية والتي جعلت لبنان واللبنانيين جزءا من مواجهة إيران مع العالم، وأخيرا وليس آخرا، قلة الموارد إضافة إلى غياب إصلاحات في القطاعات الرئيسة مثل الطاقة والاتصالات والنقل".

وسأل: "هل الأمر ميؤوس منه؟ بالتأكيد لا. كل هذه الصدمات الكبيرة التي يتعرض لها بلدنا لا يمكن معالجتها بطريقة ناجحة في غياب الدولة المركزية القوية التي يجب أن تتعزز ضمن بيئة ديموقراطية قوية وفي حال عدم استعادة القانون والنظام. حاليا، هناك حاجة ملحة لمعالجة هذه القضايا بطريقة جذرية والانتقال بلبنان إلى حالة من التوازن تعني القانون والنظام الحقيقيين والنمو والتنمية. والحالة الراهنة ليست معقولة ولا مستدامة. إن الاتحاد الأوروبي هو جارنا الدولي الأقرب. فنحن نتشاطر معه أكثر من بحر، إننا نتشاطر التحديات ومشاكل الاقتصاد العالمي وتهديد الإرهاب العالمي، لكننا نتشاطر أيضا العديد من القيم والمبادىء العظيمة والأمل بشرق أوسط مستقر ومزدهر. الأمل موجود، ولكن علينا أن نؤمن بذلك، ونعترف ونفهم أن هناك إمكانيات كبيرة لتعاون ناجح بيننا من شأنه أن يسمح لنا بمعالجة المشكلة الأطول في العالم، أي العمل معا من أجل التوصل إلى سلام دائم وعادل للصراع العربي – الإسرائيلي من جهة، وتمكيننا من البدء بتعاون فعال من أجل تحقيق الهدف المزدوج المتمثل بالمشاركة في التنمية الحقيقية في العالم العربي وخلق نمو أفضل وأكثر استدامة في أوروبا، إضافة إلى تحقيق السلام والازدهار في حوض البحر الأبيض المتوسط".

وختم السنيورة: "يملك العالم العربي الموارد والفرص وعنصر الشباب، إضافة إلى الحاجة والرغبة في بناء مستقبل أفضل مع أوروبا المجاورة. في الحقيقية، إن هذا الأمر يحتاج إلى عمل جاد وإلى بعض التضحيات. ولكن من المؤكد أنه بإمكاننا القيام بذلك وعلينا القيام به معا. وأنا آمل أن يستمر عملنا معا من أجل تخفيض الكلفة وتعظيم الفوائد".  

السابق
فضل الله: النسبية تؤمن التمثيل الصحيح ومعبر الخلاص للبنانيين
التالي
مكتب شؤون المرأة في “أمل” – صور كرم مديرة مدرسة راهبات مار يوسف