هل تطيح عملية بلغاريا حكومة ميقاتي؟

نجح الرئيس نجيب ميقاتي في ترتيب علاقاته مع الولايات المتحدة ودول أوروبية عدة التي اعتبرت ان الحكومة التي ألفها هي لـ"حزب الله". وهذا الاعتبار انطوى في حينه على الكثير من الصحة. ذلك ان تكليفه رئاستها لم يكن ليتم لولا موافقة "حليفه" او صديقه في حينه الرئيس السوري بشار الاسد والحليف الاقوى له في لبنان "حزب الله"، فضلاً عن اقتصار العضوية فيها على احد الفريقين اللبنانيين المتصارعين أي 8 آذار. ولم يخفف من خيبة الدول المشار اليها من حكومة ميقاتي وجود ممثلين فيها للزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط، ووزيرين و"نصف وزير" لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. ذلك ان الاول كان في حينه لا يزال في عز "تكويعته" في اتجاه سوريا بشار الاسد كما في اتجاه "حزب الله". كما ان الثاني كان لا يزال متحفظاً في الإفصاح عن حقيقة مواقفه بل عن حقيقة مكنونات قلبه حيال الاثنين اي "الحزب" والاسد.
وسبب ذلك معروف وواضح وهو استقرار سوريا وقوة نظامها يوم شُكّلت الحكومة. أما سبب نجاح الرئيس ميقاتي في تغيير الموقف الاميركي والاوروبي منه فكان سوريا ايضاً. ولكن سوريا غير المستقرة، والثائرة غالبية شعبها على نظام الاسد، وسوريا النظام الذي يُدمِّر ما بناه مؤسسه على مدى ثلاثة عقود من بنى تحتية وعمران وكهرباء وماء واتصالات، وذلك قد يكون الانجاز الوحيد او الابرز له. بل سوريا الداخلة غصباً عنها، وبسبب ممارسات النظام والاحقاد المذهبية التاريخية المزمنة، حرباً اهلية ستكون بالغة القسوة. هذا الوضع السوري أقلق "حزب الله" رغم استمراره الفريق الأقوى شعبياً و"عسكراً" وسلاحاً في لبنان، وجعله اقرب الى منطق التسوية في الداخل موقتاً وليس على حساب مشروعه الاساسي الداخلي والاقليمي. والوضع نفسه مكّن ميقاتي من التحلل من التزامات تعهد تنفيذها قبل تكليفه رئاسة الحكومة للاسد ولـ"الحزب" بحسب قول أركان فيهما. علماً انه وجماعته ينكران ذلك جملة وتفصيلاً. بل مكّنه من تنفيذ خطوات هو اساساً مؤمن بها. فموّل المحكمة الدولية، ونأى بحكومته وبلبنان الرسمي لا الشعبي عن الأزمة السورية، وامتنع عن تسليم المراكز الاساسية في المؤسسات والادارة من مدنية وغير مدنية الى حلفاء الاسد في لبنان، وذلك كي يستكملوا بواسطتها الانقلاب البرلماني الذي حصل، والذي أخرج 14 آذار وزعيمها الرئيس سعد الحريري من السرايا الحكومية. وتلك كانت الخطة التي على اساسها تم تأليف الحكومة الحالية. وكان ميقاتي، وكلما بدا ان أوضاع النظام السوري تتابع انحدارها، وكلما تأكد ان لا قيامة له بعد وقت طويل، ينأى بنفسه أكثر عن الاسد، ويمارس في الداخل ومع الخارج سياسة تناسب لبنان وتقرّبه هو من الغرب ومن الحلفاء العرب له الذين صدمتهم ايضاً حكومته (اي ميقاتي) فابتعدوا عنه. ويبدو انه حقَّق نجاحاً على الصعيدين. لكن نجاحه الدولي وتحديداً الاميركي كان الأبرز.

هل يستمر هذا النجاح وتحديداً هل تستمر اميركا في تفهّمها ميقاتي ونهجه وتالياً في دعمها له؟
هذا الامر يتوقف، في رأي مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة، على موقف ميقاتي من الاتهام الرسمي أو شبه الرسمي الذي سيوجه قريباً ربما الى "حزب الله" بالمسؤولية عن انفجار اوتوبيس في بلغاريا كان يقل سياحاً اسرائيليين سقط منهم 6 قتلى و20 جريحاً في تموز الماضي، ومعه الى ايران. فأميركا ستطلب منه، أو ستنتظر منه موقفاً واضحاً ليس فيه اي "غمغمة" او تهرّب. وأفضل موقف قد يكون استقالة حكومته اذا لم يكن في إمكانه الطلب الى الحزب تلبية ما قد يطلبه الاميركيون أو ربما المجتمع الدولي مثل تسليم الفاعلين. طبعاً يعرف الاميركيون ان "الحزب" لا يريد استقالة الحكومة اللبنانية اليوم لأسباب يدركها اللبنانيون كلهم. ويعرفون ايضاً ان بقاء لبنان من دون حكومة فاعلة ومع حكومة تصريف اعمال قد يفتح الباب امام تحوّل عدم الاستقرار الحالي فيه انفجاراً تُسهِّل حصوله اوضاع سوريا الملتهبة. ويقولون دائماً ان لا مصلحة لهم في رؤية لبنان ينجر الى الصراع في سوريا. لكن إثارة "عملية بلغاريا" تدفع لبنانيين الى الاعتقاد ان الاميركيين غيروا موقفهم هذا.

يبقى الانتظار افضل، علماً ان في لبنان وخارجه جهات تسأل عن سبب معاقبة لبنان على "عملية ارهابية" حصلت خارجه، وعن سبب اتهام "حزب الله" بتنفيذها وإن كانت لعناصر منه علاقة بذلك. وينبع السؤال من اقتناعها بأن أمن الخارج في الحزب يتبع لايران وليس لـ"الحزب" اللبناني وقيادته. والقصد منه دفع اميركا الى التعقّل قبل دفع لبنان الى الهاوية.  

السابق
ماذا عن المذكرة من 14 آذار إلى الإدارة الأميركية
التالي
رحلة سفينة لطف الله 2 لم تنته بعد