لبنان والمخاطر وأبعاد الأزمة السورية

تتناقل الأوساط السياسية الإقليمية والدولية تصريحات عن الوضع في سوريا والاحتمالات الممكنة. وأهمّ ما في هذه التصريحات تلك التي تتّصل بالأبعاد التي يمكن أن تبلغها هذه الأزمة في حال استمرارها.
والأهمّ أكثر وأكثر التقاء الجميع على أنّ شظايا هذه الأزمة قد تمتدّ إلى دول الجوار. فمَن هي دول الجوار التي قد تتأذّى أو تطاولها شظايا هذه الأزمة؟

إنّ نظرة سريعة إلى دول جوار سوريا توضح حقيقة مواقف ووضع كلّ من هذه الدول. فبدءاً من تركيا: هي دولة رائدة وطامحة إلى لعب دور إقليمي في المنطقة، فضلاً عن كونها عضواً في حلف "الناتو". وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ الحكومة التركية قد خطت الخطوة الأولى باتجاه حلف "الناتو" عندما دعت الى عقد اجتماع للدول الاعضاء لمناقشة قضية إسقاط وسائط الدفاع الجوّي السوري مقاتلة تركية في 22 حزيران الماضي.

وبالفعل، عقد حلف "الناتو" اجتماعاً في 26 من الشهر نفسه وأخذ علماً بالحادث ودان بأقصى شدّة إسقاط سوريا للطائرة العسكرية التركية.

وهذه هي المرّة الثانية التي يجتمع فيها سفراء الحلف منذ تشكيله طبقاً لبند في ميثاق الحلف ينصّ على اجتماع كهذا إذا أحسّت إحدى الدول الأعضاء بتعرّضها للتهديد. وما قاله الأمين العام للحلف في حينه عقب الاجتماع: "سنواصل المتابعة عن كثب وبقلق كبير التطوّرات على الحدود الجنوبية الشرقية للحلف".

وبالمعنى السياسي للخطوة التركية ولموقف الأطلسي، فإنّ تركيا سجّلت نقطة عند الحلف، والأخير أخذ علماً، فإذا تكرّر الامر، فإنّ المعالجات ستتّخذ منحى آخر وفق ما تقتضيه ضرورات الموقف، وبالتأكيد، فإنّ أيّ موقف لن يكون لصالح سوريا بل الى جانب تركيا.

وفي الشأن التركي ايضاً، فإنّ الحكومة التركية اخذت على عاتقها مسؤولية استضافة اللاجئين السوريين وقيادات وعناصر "الجيش السوري الحر"، فضلاً عن احتضان المجلس الوطني السوري وأطراف أخرى من المعارضة. وهذا يعني عملاً عدائيّا، لكن سوريا لا قِبل لها بالمواجهة مع تركيا، وهي العاجزة عن حسم الموقف في "بابا عمرو"، كما قال رجب طيّب اردوغان في حينه.

أمّا إذا أرادت سوريا أن تلعب ورقة حزب العمّال الكردستاني الانفصالي، فإنّ الحكومة التركية قادرة على التعامل مع هذا الموضوع على كلّ المستويات، بدليل العمليات التي تقوم بها في الداخل العراقي. إذن، إنّ تركيا تؤثّر في الأزمة السورية ولا تجد غضاضة في التعامل مع النتائج، حتى إذا سقط النظام، فإنّ الحكومة التركية سيكون لها الحظوة الكبرى في الشأن السوري الجديد، نظراً الى ما قدّمته من خدمات للمعارضة.

أمّا العراق، فإنّه قادر على التعامل مع ظروف الأزمة السورية، سواء عبر مدّ النظام بالسلاح، بطريقة سرّية، او عبر الموقف الرسمي المنضوي تحت لواء الجامعة العربية، كرمى للعرب وللاميركيّين.

وعلى رغم أنّ الاردن يعاني من أزماته الخاصة، غير انّه ما زال قادراً على النأي بنفسه عن الأزمة السورية بما للجيش الاردني من قدرة على التعامل مع كلّ الاحتمالات.

يبقى لبنان… فعندما يتحدّث المجتمع الدولي عن انعكاس الأزمة السورية على دول الجوار، إنّما يقصد بالدرجة الاولى، لبنان.

فأين وكيف ومتى يحصل الانعكاس؟

ممّا لا شك فيه انّ هناك محاولات عدة جرت لنقل الصراع الى الساحة اللبنانية، ليس أوضحها ما يجري بين الفينة والاخرى في طرابلس، مسقط رأس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المتربّع سعيداً على كرسي الرئاسة الثالثة غير آبه أو مدرك لما يخطّط لمدينته وللبنان عموماً. والمثال الأوضح، المتفجّرات التي حملها "رسول السياسة" ميشال سماحة بقصد إيقاع الفتنة بين اللبنانيين، انطلاقاً من الشمال ايضاً.

والمثال الثالث، وليس الاخير، تصريحات المسؤول العسكري الايراني علي الجعفري عن دور استشاري للحرس الثوري الايراني لدى "حزب الله". وكأنّه بذلك كشف جديداً. فماذا كان دور عماد مغنية في العلاقة بين إيران والحزب؟

أمّا المثال الرابع والأهم، ما قاله لي مسؤول إيراني من انّ ايران ترى انّ قوى الرابع عشر من آذار، من خلال مواقفها السياسية، امتداد في التبعية للإدارة الاميركية، وبالتالي فإنّها ستتعامل معها كما ستتعامل مع دول الخليج إذا وقعت الحرب على ايران، باعتبارها هدفاً استراتيجيا. ففي الحرب، لا حدود للأوراق واستخداماتها.

وللتدليل على ذلك، فإنّ الحكومة الايرانية لم تنفِ حتى الآن التقرير الذي نشرته وكالة "رويترز" نهاية الاسبوع الماضي، ومفاده أنّ إيران تزوّد سوريا بالأسلحة بواسطة طائرات تمرّ عبر العراق. وتأخّرت إيران اكثر من اسبوع على الاعتذار عن الترجمة لكلمة الرئيس المصري محمد مرسي، عندما تمّ استبدال كلمة سوريا بكلمة البحرين أثناء إلقاء كلمته. وتبيّن انّ هذا "الخطأ"، كان للمشاركين خارج القاعة العامة وليس للرؤساء.

بمعنى انّ الحكومة الايرانية التي تقف الى جانب

النظام السوري بقضِّها وقضيضها، لن تهتمّ للمجتمع الدولي او للّبنانيين اذا تعرّضت مصالحها أو استراتيجيتها للاستهداف.

وللبناء على ما تقدّم، يبدو الطرح مشروعاً عمّا أعدّته الحكومة اللبنانية او الدولة اللبنانية لمنع انعكاس الأزمة السورية على الوضع في لبنان. وماذا إذا رأى الفريق الداعم لسوريا أنّ سياسة قوى الرابع عشر من آذار وحلفائها تصبّ في خدمة "القوى المتآمرة وضدّ المقاومة"، وأنّ هذا يقتضي معالجة مماثلة لتلك التي جرت في السابع من أيّار 2008؟

إنّ هذا الطرح بالغ الجدّية، وما الصمت الذي يصمّ الآذان من "حزب الله" وقوى الثامن من آذار، حول التصريحات والمواقف المعلنة من هنا وهناك عن الاحتمالات التي تطلّ عليها الساحة اللبنانية، سوى تعبير حقيقي أنّ هذه القوى تعدّ العدّة لكلّ الاحتمالات.

فما يجري في الخفاء والناس نيام لن يراه النائمون إلّا كابوساً عند الاستيقاظ. والأمل، كلّ الأمل، ان تتدارك الدولة اللبنانية حقيقة ما يجري وتعمل على منعه من خلال تحمّل مسؤوليّاتها التاريخية. فالمخاطر جادّة وحقيقية وإذا بدأت الأزمات فإنّها ستتدحرج بطريقة لا يمكن اللحاق بها.  

السابق
رحلة سفينة لطف الله 2 لم تنته بعد
التالي
تحية لمن يستحضره الميدان