فضل الله: لقانون انتخابي يكون أكثر تمثيلا للناس وتعبيرا عنهم

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى الأخذ بحديث الإمام الرضا مع أحد أصحابه، الإمام الذي نعيش أيام ولادته المباركة في الحادي عشر من ذي القعدة، الإمام الذي ملأ الحياة الإسلامية علما ووعيا وأصالة وحوارا وانفتاحا، حيث يقول علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا، فقال لي: يا علي، من أحسن الناس معاشا (أي عيشا)؟ قلت: يا سيدي، أنت أعلم به مني، فقال: يا علي، من حسن معاش غيره من معاشه. قال: يا علي، من أسوأ الناس معاشا؟ قلت: أنت أعلم، قال: من لم يعش غيره من معاشه".

اضاف: "لقد أراد الإمام من خلال هذا الحديث، أن يبدل الصورة التي ارتسمت في أذهاننا عن أحسن الناس عيشا، حيث باتت الصورة لدينا، أن أحسن الناس عيشا، هو في من يملك مالا أو موقعا أو علاقات، أو من رتب أمره مع هذا الموقع أو ذاك. فيما أسوأ الناس عيشا الذي لا يملك ذلك، حتى لو كان الإنسان طيبا وخلوقا، يخدم الناس ويساعدهم.أراد الإمام أن يبين الصورة الصحيحة، وهي أن أحسن الناس عيشا، وأكثر الناس سعادة، هو الذي يترك أثرا طيبا، موقعا يتواجد فيه، قد يكون مالا، قد يكون أخلاقا، قد يكون علما، صدقة جارية، ولدا صالحا، كلمة تثير وعيا، وموقفا عزيزا كريما. أن لا يمر على الحياة مرور الكرام، بل يبقى أثره متجذرا فيها، وإلى هذا أشار الإمام علي: "عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم".

وتابع فضل الله:"من خلال ذلك، نرى واقعنا الذي يحتاج إلى تضافر جهودنا، لتكون الحياة من حولنا أفضل على المستوى الفردي والاجتماعي وعلى المستوى الدولي، حيث لا يزال العالم يعاني من هيمنة الدول المستكبرة على قرارات الشعوب المستضعفة، التي عليها أن تعمل على استعادة قرارها ووعيها، فلا يخدعها هؤلاء بكلمات معسولة، كما جرى أخيرا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث وقف الرئيس الأميركي مستعرضا عضلاته الكلامية أمام رؤساء الدول والبعثات الدبلوماسية، بالطريقة نفسها التي بدأ بها مهامه الرئاسية، عندما استعرض قوته الخطابية في تركيا، ثم في جامعة القاهرة، حيث لا يزال المسلمون يحفظون مقاطع من كلماته المعسولة حول احترامه واحترام إدارته للاسلام والدين الإسلامي، وحرصه على قضايا الشعوب الإسلامية ودولها، ولا سيما القضية الفلسطينية.أما اليوم، فها هو الرئيس الأميركي، يظهر زيف مواقفه وشعاراته السابقة، فيقف على منبر الأمم المتحدة، ليبرر عدم ملاحقته الذين أساؤوا للرسول والإسلام من خلال الفيلم المسيء، وذلك بحجة أن الدستور الأميركي يضمن حرية التعبير، في الوقت الذي لا يشير إلى عدم حرية التعبير إذا كانت القضية تتعلق بمعاداة السامية، ويقصد بذلك اليهود وديانتهم، ولا يتحدث عن الملاحقات التي تتم بحق كل من يعترض على المحرقة وفق الحقائق العلمية.ثم يتحدث عن دولة فلسطينية آمنة إلى جانب كيان العدو، ولا يقول للفلسطينيين ماذا صنع بهذا الشعار الذي أطلقه قبل حوالى أربع سنوات، حيث يزداد حال الفلسطينيين بؤسا، ففي الداخل يحاصرون بالاستيطان والجدار الفاصل، وسياسة التهويد والعبث بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، بينما في خارج فلسطين، يعيشون في المخيمات، ويعانون أقسى ظروف العيش وعدم الاستقرار.أما الذين يتحركون على خلفية الكراهية لظلم الغرب وإسرائيل، فقد آن الأوان لتهميشهم، بحسب ما يقول الرئيس الأميركي، ولكنه لا يقول شيئا عن الذين يمارسون الكراهية ضد العرب والإسلام والمسلمين كمبدأ في حركتهم السياسية والثقافية والإعلامية وما إلى ذلك.ويتحدث الرئيس الأميركي عن عمله الدؤوب لإرساء الديمقراطية في العالم العربي، ولكنه لا يشير إلى حجم الأساطيل والقواعد الأميركية التي تجثم على صدور العرب والمسلمين، ولا إلى سعي أميركا لتحويل مسار الربيع العربي عن وجهته، من خلال استغلال الضغط الاقتصادي والسياسي، وحتى الأمني، وإبقاء الكيان الصهيوني الفزاعة الدائمة لكل باحث عن الحرية الحقيقية.ويتحدث عن الخوف من قدرات إيران النووية، ولا يتحدث عن الخوف من ترسانة أسلحة نووية وكيميائية وجرثومية موجودة بأيادي ربيبته إسرائيل في المنطقة".

وقال: "انها مرحلة الكلام الذي يلقى على عواهنه من الرئيس الأميركي ومن غيره، قد يخدع الذين تبهرهم الكلمات البراقة ولا ينفذون إلى العمق، أو الذين يتعامون عما يجري على أرض الواقع، حيث كل قضايا المنطقة والعالم تبقى في دائرة الانتظار إلى حين فراغ الأميركيين من سباق الرئاسة، بحيث تستمر الاستباحة للقدس والأقصى، ويتواصل تدمير سوريا وقتل الشعب السوري. فلا شيء يضير أميركا أو الغربيين، الذين يتباكون على حقوق الإنسان السوري في بلادنا، أن تدمر هذه الشعوب وفق الإيقاع الاستكباري، وأن يحال دون الوصول إلى أي حل سياسي للصراعات، فضلا عن الإفشال المتعمد لأية مبادرات طيبة، والحؤول دون أن تقوم بدورها، وليس هذا فحسب، بل إنهم يركزون على جبهة عالمية لمواجهة التطرف، وهو ما دعا إليه الرئيس الأميركي من على منبر الأمم المتحدة، من دون أن يطرحوا السؤال على أنفسهم: ما أسباب التطرف؟ ومن المسؤول عن استيلاد هذا التطرف وإنتاجه؟ إننا أمام كل هذا الواقع، مدعوون أن نعي ما هو السبيل الأفعل لمواجهة قضايانا، فلا ننتظر من الآخرين أن يحلوا مشاكلنا، لأنهم إذا حلوها، فسيكون ذلك لحساباتهم ولمصالحهم، المطلوب أن نبادر نحن إلى حلها، وذلك عندما نخرج من حساباتنا الخاصة، من آفاقنا الضيقة، من السجن الطائفي والمذهبي الذي حبسنا أنفسنا فيه، أن نقتلع الأوهام التي زرعت في عقولنا، فلا نخضع لانفعالاتنا، بل نحدق في الواقع جيدا حتى نجد الحلول، مهما كلفنا ذلك من جهد وتخط للصعوبات. ومن خلال ذلك، نطل على سوريا، التي نأمل أن تخرج من دائرة الحسم والحسم المقابل، إلى الحوار المفتوح بين كل مكونات الشعب السوري، للخروج من هذا النفق المظلم الذي يراد منه استنزاف قدرات سوريا وإمكاناتها، ومن هنا، نرى أهمية لقاء المعارضة الذي حصل في دمشق، ونعتبره خطوة لا بد من أن تستكمل بتأمين فرص جمع كل فئات المعارضة، للبدء بحوار داخلي يؤمن مطالب الشعب السوري في الإصلاح وتحقيق الاستقرار لهذا البلد. ومن هنا، ندعو كل الدول المؤثرة في الداخل السوري، أن تعمل جاهدة لتحقيق هذا الهدف، ومنع استمرار نزيف الدم، بدلا من إذكاء نار الحرب أو ترك الأمور تجري إلى حين نضوج الطبخة التي تعد لهذا البلد".

وتابع فضل الله: "اما لبنان، الذي تزداد معاناة أبنائه الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن الخوف على المستقبل ومما هو آت، حيث لا حلول بل وعود، ولا علاجات بل مسكنات، فإننا نريد لدولته أن تستنفر جهودها، من أجل مواجهة عصابات الخطف، وجماعات الابتزاز الذين يبتزون الناس، ويمنعون الاستقرار المطلوب في هذا البلد.إننا في الوقت الذي نقدر الجهود الأمنية في كشفها لعصابات الخطف والقتل والابتزاز، ندعو إلى مزيد من العمل لمنع ذلك وتوقي حصوله في المستقبل، حتى لا نزيد هموم إنسان هذا البلد هموما. كما ندعو كل الذين يدرسون قانون الانتخاب لهذا البلد، والذي نعتبره إحدى وسائل التغيير، أن لا يدرس هذا القانون من خلال الحسابات الخاصة لهذا الفريق أو ذاك، بل أن نعمل على القانون الذي يكون أكثر تمثيلا للناس وتعبيرا عنهم. ولنتذكر دائما أن الأشخاص يزولون ويبقى القانون، فلا يكون همكم قانونا يلبي مصالحكم في هذه المرحلة، حتى ولو كان عبئا على أولادكم وأحفادكم في المستقبل. وفي مجال المخطوفين اللبنانيين في سوريا، فإننا في الوقت الذي نشكر كل الذين كان لهم دور في إطلاقهم، ندعو إلى مزيد من العمل من كل المؤثرين في حل هذه القضية الإنسانية والإسلامية والعربية والوطنية، فقد آن الأوان لهذا الملف أن ينتهي، ليعود الجميع إلى عائلاتهم سالمين، وليساهم ذلك في إبقاء الروابط المتينة بين الشعبين السوري واللبناني على ما كانت عليه، والتي ستبقى إن شاء الله على وئام وتوافق".  

السابق
حوري:اعتراض 8آذار على قانون الانتخاب الحالي يعود الى فشله في إحراز أغلبية نيابية
التالي
بارود: ما يحصل اليوم من نقاش حول القوانين الإنتخابية لا يشبه ما كنا نريد