صلِّ ع النبي.. بتهون

توقفت فجأة أذنا محمد عن العمل. بات لا يسمع شيئاً مما يُحكى على طاولة العشاء. أمه، كالعادة، تتكلم وفمها مليء بالطعام، وباقي أفراد العائلة يضحكون على ما ترويه. يراقب من دون أن يسمع شيئاً. انتبه أنه لم يعد يضحك على حكايات أمه. ربما يبتسم قليلاً لها، لكنه لا يضحك.
مرّ وقت طويل لم يشعر به محمد بالسعادة، منذ احتفال تخرجه الجامعي. ظنّ حينها أن مفتاح النجاح هو الشهادة، وأن تحقيق أهدافه في الحياة سيكون سهلاً.
بدأت حركة الأشخاص والأشياء في الغرفة تبطئ تدريجياً. حتى عقارب الساعة المعلقة على الحائط صارت أبطأ. شرد بأرقام الساعة، وبدأ يحسب معاشه الشهري ويقسمه على مصاريف الشهر المقبل. هو يعمل في نادٍ ليلي. مديره يحمل أمامه بطناً ضخمة وخططاً لزيادة أوقات العمل وتخفيض الرواتب.
كان من المفترض أن يعمل محمد في المجال الذي تخصص به، أي الإعلان والتسويق. اختار هذا الاختصاص لرغبته بابتكار أفكار جديدة. لكنه، بدلاً من ذلك، صار يعمل كساقٍ في نادٍ ليلي.
لم يتمكن محمد من إيجاد فرصة يحصل من خلالها على دخل محترم. «أنت تفتقد للخبرة»، كانت الذريعة التي يرميها في وجهه أصحاب العمل. أما من قبل بتوظيفه فقد عرض عليه أجراً يقل عن الحد الأدنى للأجور، وهذا بالكاد يكفي تكاليف المواصلات بين منزله ومكان عمله، من دون احتساب سعر «السندويش» الذي سيضطر إلى شرائه خلال الساعات الـعشر التي سيمضيها في المكتب.
لا. لن يقبل بوظيفة كهذه. سيعمل مؤقتاً في النادي الليلي، طالما أنه سيحصل في المقابل على دخل جيد، يضاف إليه «البقشيش» الذي يتسابق الزبائن إلى دفعه، فكلما زاد «البقشيش» ارتفعت مرتبة الزبون الاجتماعية بين الساهرين.
هذه هي الخطة إذا: عملٌ مؤقتٌ في الليل، وساعات قليلة في النهار يخصّصها لتنفيذ مشاريع مستقلة في مجال التسويق. هكذا سوف «يربّي» خبرة تسكت الشركات التي كانت ترفضه. كما أنه سيتمكن من تسديد أقساط المنزل الذي يطمح أن يصير ملكه بعد 30 عاماً.
مضت سنتان على الخطة، وما كان مؤقتا بات شركا لن يستطيع محمد الإفلات منه. حتى الزودة التي حصل عليها تبخّرت مع ارتفاعات الأسعار. تبخّر كل شيء: جدول مواعيده مع حبيبته التي صار يلتقيها يوما واحدا في الأسبوع، وهي التي كانت ستصير قريبا شريكته، عمله الخاص في مجال التسويق، المال الذي كان ينوي الاحتفاظ به لـ«مستقبله»..
يعمل محمد الليل كله، بدوامٍ يمتد من الثامنة مساءً حتى الخامسة فجراً. يصل إلى منزل أهله بجسدٍ متهالك، ينام من السادسة حتى الثانية ظهرا. يستيقظ، يستحم، يأكل وجبته الوحيدة، ثم يرخي جسده الضعيف أمام حاسوبه بلا أي جدوى، يتصفح نجاحات غيره فقط، ثم يتجه مجدداً نحو عمله.
– «محمد..!».
كان لا يزال ينظر في عقارب الساعة عندما أيقظه نداء أمه:
– «صلِّ على النبي يا ابني.. شو بيك هيك مهموم؟». 
 

السابق
نحن العرب نعلن فشلنا
التالي
مشاركون نصرة للأسير أم للرسول؟