عون بين الاغتيالات ومحاولات الاغتيال

محاولة اغتيال العماد ميشال عون لم تكن محاولة ولا اغتيالا. واذا استطاع التحقيق تأكيد اختراق رصاصة واحدة احدى سيارات المواكبة فإن الحادث سيبدو، كما يبدو الآن، مجرد "رسالة". ممن؟ قال الجنرال: "سنعرف، كما عرفنا الفاعلين في محاولات ثلاث سابقة". والواقع انه لم يستقر شيء واضح من تلك المحاولات في اذهان اللبنانيين، سوى ان ظروفها كانت مختلفة تماما، كما كانت مواقف الجنرال مختلفة ايضا.
بديهي ان كل اغتيال او محاولة مستنكران ايا يكن المستهدف، بمعزل عن الاختلاف او التوافق السياسيين. ولعل هذه الرصاصة اليتيمة الطائشة تلفت الجنرال الى ان مواقفه من اغتيالات حصلت فعلا، او من محاولات جدية ضد خصوم سياسيين، لم تكن حصيفة ولا مناسبة ازاء فعل مستنكر هو القتل او الشروع بالقتل. ففي هذه الوقائع تحديدا كان يُتوقّع منه ان يكون عالي الصوت، بالغ الوضوح والحسم، في رفض مثل هذه الاساليب، لا ان يقلل اهمية الموت او يساهم في التغطية والتمويه، حتى لكأن الضحايا هم الذين فخخوا السيارات التي تقتلهم.

نتذكر يوم اغتيال العميد فرنسوا الحاج كيف ان العماد عون ظهر امام الكاميرات في مشهدين متتاليين لا فاصل زمنيا بينهما. في الاول بدا حزينا متأثرا تكاد الدموع ان تنذرف من عينيه وهو ينعى عسكريا بطلا يعرفه جيدا. وفي الثاني، مباشرة، تغيرت قسمات الوجه واللهجة والمصطلحات محملا ضميره اتهام حكومة فؤاد السنيورة آنذاك مسؤولية هذا الاغتيال. صحيح ان جماعات من تياره كانت تشارك في ذلك الوقت في اعتصام وسط بيروت، لكن الجنرال لم يكن في حاجة الى من يريه الفارق بين القتل وبين معركة كان يفترض ان تبقى سياسية بحتة لا ان تنتهي بـ"غزوة 7 ايار".

ثمة مفارقة اخرى نجدها في مسيرة الجنرال من الوقفة الانسانية امام ضريح الرئيس رفيق الحريري، يوم عودته من المنفى القسري في فرنسا، الى وقوفه ضد التحقيق الدولي ومشاركته في الشحن والتضليل. صحيح ان للانقلاب السياسي منطقه الذي يقود من الشيء الى نقيضه، وان المصالح تتقدم على المبادئ، الا انه في حال العماد عون جعله ينسى لماذا نفى نفسه ومن اراد تصفيته بل وضع يده في ايدي القتلة وتولى الدفاع عن "براءتهم" حتى وهو يرى بأم العين كيف يقتلون الآخرين، وكيف قتلوا الآلاف من الشعب السوري.

ليس مستبعدا ان يكونوا هم انفسهم ينذرونه اليوم بالاغتيال. فبالنسبة اليهم كل عمل مبرر اذا كانوا في حاجة الى احداث فتنة. وليس مهما ان تكون الضحية "حليفا" او "صديقا". من شأن العماد عون ان يبادر الى المطالبة في هيئة الحوار الوطني بأن يسبق "الاتفاق" على الاستراتيجية الدفاعية تعاهد لبناني – لبناني على ان لا اغتيالات بعد اليوم، فهو يعلم جيدا ان كل اغتيال او "محاولة" لا يمكن ان يحصل الا بتواطؤ مع الداخل، وما عليه سوى ان يتذكر من هم حلفاؤه اليوم.  

السابق
عقدة الحل: الانطلاق قبل الوصول
التالي
القاضي صقر يشرّع سلاح الجيش الحر