عن الاعتراض الشيعي-1

 والشيعة كانوا، وما زالوا، لا يطلبون شيئاً آخر غير الدولة والمشروع الوطني الديموقراطي والبرنامج العملي للوصول إلى تحقيق هذا المشروع. والسبب في فشل الاعتراض الشيعي على الشيعية السياسية يعود برأيي إلى العقلية الخاطئة في التعامل مع الشيعة، وتعرضهم للاستغلال الموسمي، أي للاستخدام في المناسبات والمهرجانات بوجه الخصوم.


إن طريقة مخاطبة المواطنين الشيعة وكأنها رد فعل على محاولات "حزب الله" اختراق الطوائف الأخرى، كانت وستبقى موجودة، طالما أن الانقسام بين تجمّعي 8 و14 آذار هو انقسام سنّي – شيعي، يرفده انقسام ماروني – ماروني، في حين يبقى سقفه إقليمياً. والحال أن المطلوب فقط هو التعامل مع الشيعة كشركاء في الوطن، وليس كأتباع أو ملحقين بمركب يقوده غيرهم في اتجاهات لا يعرفون مسارها أو مصيرها.

لقد كان الشيعة أوّل من حمل لواء الحق والعدل والمساواة والكرامة للجميع، وبين الجميع، ولواء الدولة المدنية المتوازنة القوية العادلة، وحتى عام 2001 (تاريخ وفاة الشيخ محمد مهدي شمس الدين) لم يستطع "حزب الله"، ولا "حركة أمل" السيطرة على الطائفة الشيعية. وكان المطلوب منذ الطائف (أي من عام 1989 وحتى عام 2001) محاولة بناء الدولة. اليوم لم يعد ينفع التبشير بالدولة، بل كان يجب ممارسة فعل الدولة حين كان ذلك ممكناً. وهذا ما لم تقم به قيادات الطائف للأسف، وما تأخرت أو عجزت عن تحقيقه بعد 14 آذار.

وفي لحظة 14 آذار المجيدة فإن جمهور الطائفة الشيعية المدني لم يكن غائباً، بل كان موجوداً وممثلاً حتى في تركيبة لقاء البريستول، وقبلها في المنبر الديموقراطي الذي جمع مئات المثقفين والكوادر المهنية المدنية وجلّهم من الشيعة. أما اليوم فلم يعد ممكناً فصل الطائفة الشيعية عن قياداتها التي تكرّست بمباركة من خصومها منذ أول حكومة بعد الطائف. والطائفة الشيعية اليوم هي في حالة تضامن عصبوي، على قاعدة أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. وقد تفاقمت مركزية هذا الجمع العصبوي مع تصاعد عصبيات الطوائف الأخرى حول الشيعة في لبنان والعالم العربي، والتي تحمل تهديداً وجودياً لكل طائفة وخصوصاً للشيعة بفعل سياسات إيران الهجومية في المنطقة. وليس مقنعاً اليوم أبداً للمواطنين الشيعة (وهو لم يكن مقنعاً أصلاً) القول إن المقاومة هي مهمة تقع على عاتق جميع اللبنانيين، وإن السلاح الفئوي يقوّض المقاومة والدولة، لأن السلطات المتتالية تعاملت منذ عام 1989على أساس تكريس احتكار "حزب الله" للمقاومة، وهي لا تزال إلى اليوم تخشى مقاربة هذا الموضوع خارج إطار الكليشيهات الفارغة. كان يجب إطلاق مقاومة وطنية يوم كان ذلك ممكناً وعدم السماح باحتكار حزب واحد للمقاومة، وإشراك كل اللبنانيين في هذه المقاومة. أما اليوم فلم يعد هناك مقاومة أصلاً حتى نتكلم على مقاومة (خصوصا مع القرار 1701). فمع زوال الاحتلال عام 2000، زال مبرر وجود المقاومة التي هي، كما نعرف وتعرفون، عبوة ناسفة وكلاشينكوف وآر بي جي وانتفاضات شعبية ومقاومة مدنية شعبية شاملة. ما هو موجود اليوم هو جيش نظامي مسلح بأحدث وأضخم أنواع الأسلحة والمعدات والتجهيزات والمقاتلين والخبرات القتالية. إنه واحد 

من أقوى جيوش الشرق الأوسط يملك 50000 صاروخ (على الأقل)، وعشرات آلاف الجنود والضباط، أي إنه أقوى من الجيش اللبناني من حيث الانضباط والتماسك والتسليح والتدريب والخبرة. ويكون الكلام الجدّي بسحب شعار المقاومة من التداول، وبطرح كيفية الاستفادة من هذه القوة العسكرية للدفاع عن لبنان. أصلاً حين قبل "حزب الله" بالحديث عن استراتيجية دفاعية، فإن ذلك كان يعني تسليمه بأنه لم يعد مقاومة. فالاستراتيجية الدفاعية هي شأن من شؤون الدولة التي تمسك وحدها قرار الحرب والسلم مع إمكان التسليم بوجود قوى عسكرية مسلحة (ميليشيا شعبية، حرس حدود) تكون بإمرة غرفة عمليات يقودها الجيش، ويحكمها القرار السياسي السيادي للحكومة اللبنانية. وهذا ما طرحه السيد موسى الصدر، وما كان سبباً لاختطافه، على ما نذكر وتذكرون.

أما الدولة المدنية التي دعا إليها الصدر وشمس الدين، فهي لم تبصر النور للأسف، على رغم مرور عقود على الدعوة التي أطلقاها، والتي أطلقها أيضاً الشهيد كمال جنبلاط في برنامج الأحزاب التقدمية للإصلاح السياسي. كما قدمتها برامج حزب الكتائب وحزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل في العديد من المناسبات… إلّا أنها لم تقم حتى الآن…والدولة اللبنانية القائمة لم تكن بالنسبة إلى الشيعي سوى دولة الجباية والقمع، وهي لا تزال تقدّم نفسها بهذا العنوان وحده. فكيف نقنع الرأي العام الشيعي بالدولة والسيادة والدستور؟


 

السابق
برقية للمخابرات السورية تلقتها تدعو للجهوزية لتنفيذ اللازم على العقيد الفار رياض الأسعد
التالي
موسى: موقفنا ثابت بالنسبة لقانون الانتخاب