خطاب النووي لبن غوريون

"كل شعب يصاب بالصدمة حين يشعر بامكانية أو بخطر حرب عالمية جديدة والخوض له ما يبرره لاننا نعرف ما الذي قد تحدثه القنبلة الانشطارية… هذا لا يعني أنه من أجل الصداقة مع اميركا، أنا ملزم بان اقبل كل ما تفعله وتقوله اميركا".
هذه الكلمات لم يقلها رئيس الوزراء الحالي بالنسبة للنووي الايراني، بل رئيس وزراء آخر – دافيد بن غوريون، عام 1956، في خطاب نادر أمام كبار رجالات الجيش الاسرائيلي، لم تسمح وزارة الدفاع بنشره الا الان، من خلال أرشيف الجيش الاسرائيلي وبناء على طلب "معاريف". الخطاب، الذي يقع في 11 صفحة، ألقاه بن غوريون بعد "حرب السويس" ويروي فيه عن المشاعر التي تقف خلف كواليس الحملة، الضغوط، ورؤياه لمستقبل الدولة. وكان الخطاب مغلقا في وجه وسائل الاعلام وصنف كسري للغاية. ولكن بن غوريون نفسه رفض طلبا خطيا من محرر "معاريف" في حينه آريه ديسنشيك لنشره بعد سنة من ذلك.
والقي الخطاب أمام الضباط، بمن فيهم رئيس الاركان موشيه ديان، بعد ثلاثة اسابيع من انتهاء الحرب التي احتلت فيها اسرائيل شبه جزيرة سيناء بتشجيع من فرنسا التي كانت موردة السلاح المركزية لاسرائيل في تلك الايام. وقد قيلت الامور بعد أن أثنى ديان على "البطولات اليهودية التي سيذاع صيتها لسنوات طويلة"، على حد قوله.
"حبكات ومصالح"
"أنا اقف في جبهة اخرى، ليست مزروعة بالالغام المتفجرة ولكنها مليئة بالغام الحبكات لسياسة القوة وتضارب المصالح العالمية"، قال بن غوريون للضباط. "كان واضحا لنا أنه في السابع من تشرين الثاني 1949، حين انتهت المعارك، لم تكتمل المهامة بيننا وبين جيراننا. وأنهم لن يسلموا بالهزيمة، مع قيام دولة يهودية داخل منطقة يعتقدون أنها عربية منذ مئات السنين".
ويفصل بن غوريون القول بانه عني مع انتهاء المعارك بموضوعين مركزيين: تأهيل الجيش الاسرائيلي لمواجهة كل واحد من الجيوش العربية على انفراد وكلها معا، والامتناع عن الصدام مع جيش غير عربي. "علمنا أنه محظور علينا التورط في نزاع عسكري مع دولة أجنبية – بريطانيا، روسيا او اميركا وما شابه، إذ في روحنا الأمر. نحن ملزمون بان نكون أقوياء جدا كي نتمكن من الوقوف في وجه كل الجيوش العربية وهذا أمر ليس سهلا… لا نعتقد، وأنا واثق بان كل الخبراء لا يعتقدون بأن الحرب هي هدف بحد ذاتها. وحتى النصر في الحرب ليس هدفا بحد ذاته. الحرب هي احيانا مجرد اضطرار كوسيلة لتحقيق الهدف. الهدف هو وجود وسيادة اسرائيل من أجل جمع الجاليات في وطن مستقل… علي أن اضيف بان النصر في الحرب ليس دوما يميز قوات الشعب المنتصر، بل واحيانا لا يكون نصرا".
ويواصل بن غوريون تحليل مكان اسرائيل في الشرق الاوسط وفي العالم: "في دائرة الشرق الاوسط، اذا لم نكن أقوياء بحيث نتمكن من التصدي لكل جيوش جيراننا، فقد نمحى عن وجه الارض. ولكننا نعيش ايضا في دائرة العالم والامور لا تحسمها فقط قوى الشرق الاوسط".
خوف من حرب عالمية
السياسي بن غوريون يفصل التغييرات السياسية في أرجاء العالم، الارتفاع في عدد الدول العربية في الامم المتحدة، اقامة الدول الشابة في ارجاء آسيا وتحررها من "السيد الابيض"، التقارب بين الاتحاد السوفييتي والعرب، بل ويكشف الدراما السياسية خلف كواليس الحملة: "لم يسبق أبدا ان كانت لدى الانساة قوة تدمير كهذه كالتي توجد الان. الجميع يعرف بان الحرب العالمية قد تؤدي الى ابادة البشرية وعليه فان الخوف من الحرب العالمية اكبر اليوم مما كان في 1914 واكثر مما كان في العام 1939".
وهو يصف الدراما التي نشبت في حديث مع محافل شاركت في مؤتمر الاشتراكية الآسيوية مع نهاية حرب سيناء. "الجميع كانوا حقا فزعين في أنهم يقفون عشية حرب عالمية ثالثة وفقط في 9 تشرين الثاني، في الصباح الذي وصل اليهم البث باني نقلت للشعب ردي على آيزنهاور وانسحابنا من سيناء، كان تنفس الصعداء والجميع اشار الى أن رئيس وزراء اسرائيل أنقذ العالم من حرب عالمية ثالثة"، قال. "وأنا أروي الامر كي أُري أي شعور يعيشه العالم الان. كل شعب يصاب بالصدمة حين يشعر بامكانية او بخطر حرب عالمية جديدة والخوف له ما يبرره لان الناس يعرفون ماذا يمكن ان تحدثه القنبلة الانشطارية".
وهو يروي عن المصاعب في الساحة السياسية ويشدد تشديدا خاصا على الرأي العام الاميركي. وبشكل يشبه على نحو مذهل ايامنا هذه يعترف بقوة الرئيس الاميركي كمن يعارض عملا اسرائيليا ولكنه يشعر بالتشجيع من موقف الجمهور الاميركي ومن أن "اغلبية الصحف الاميركية تقف الى جانب اسرائيل".
وموضوع آخر مشابه جدا لما يجري اليوم: "نحن بحاجة الى الوقت كي يفهم العالم بأنه وإن كان لا ينبغي للجيش الاسرائيلي أن يبقى في سيناء بل لا ينبغي أيضا ان يكون الجيش المصري في سيناء". وهو يواصل ويقول أمورا يمكن ان تعزز قوة رئيس الوزراء الحالي في الجدال مع اوباما: "نحن نقف في صراع ليس فقط مع أعداء بل ومع أصدقاء أيضا. اذا كان يوجد شعب في العالم أثبت عمليا صداقته لاسرائيل فهو الشعب الاميركي. هذا لا يعني أنه من أجل هذه الصداقة أنا ملزم بان أقبل كل ما تفعله وتقوله اميركا. الرئيس الاميركي ليس عدوا لنا وعلى الرغم من ذلك، لا أحد يعرف ما هي المشاكل التي تنتظرنا من اميركا".  

السابق
يوجد قضاة في القدس
التالي
لهذا سافرت مع ابنها إلى لندن