السفير: كلينتـون تدعـو ميقـاتي لقبـول التسـويـة البحريـة مع إسـرائيـل

إذا كان البر اللبناني يزدحم بالملفات الخلافية، فإن بحره لا يبدو أفضل حالاً، لاسيما بعدما أصبح من المؤكد أنه يحوي كميات كبرى من النفط والغاز، بما يرشحنا لدخول نادي الدول النفطية بعد سنوات. وبدلاً من أن تكون هذه "الثروة الكامنة" بمثابة حافز لدى أهل الحل والربط، لتجاوز الذهنية اللبنانية التقليدية في العمل، وبالتالي الارتقاء الى مستوى الآمال المعلقة على النعمة المكتشفة، إذا بالتجربة تظهر، حتى الآن، أن عدوى الأمراض الداخلية المزمنة، تكاد تصيب الآبار في قعر المياه، وتلحق الضرر بالمصالح الوطنية العليا.
الحدود.. وجهة نظر
ومن المفارقات في هذا المجال، أن لبنان الرسمي لا يملك بعد مقاربة موحدة لكيفية التعامل مع المناطق الحدودية البحرية المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي بشكل اساسي، إضافة الى قبرص وسوريا، علماً ان هذه المناطق تضم الآبار النفطية الأهم، وفق المؤشرات المتوافرة. والمشكلة الاكبر على هذا الصعيد تتمثل في وجود أكثر من اجتهاد رسمي في شأن كيفية حسم مصير الـ860 كلم2 التي تشكل مادة النزاع الحدودي مع الكيان الاسرائيلي، فيما تستمر الحكومة في الهروب الى الأمام وشراء الوقت، تجنباً للقرار الصعب.
وكانت اللجنة التقنية المختصة، والتي تضم ممثلين عن وزارة الخارجية والجيش اللبناني، قد نصحت بالسير في "خيار براغماتي"، يقوم على اساس القبول باستعادة قرابة 500 كلم2 من "المساحة الملتبسة"، بعدما اقتنعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة بملكية لبنان لها، فيما يواصل لبنان لاحقاً السعي، عبر التفاوض مع الأمم المتحدة، الى استعادة كل حقوقه البحرية وترسيم حدوده حتى آخر نقطة مشروعة، على ان تقوم واشنطن والامم المتحدة بالضغط على اسرائيل لدفعها الى الرضوخ لهذه الصيغة، بما يتيح للبنان المباشرة في التنقيب ضمن الـ500 كلم2، بانتظار تسوية الخلاف حول المساحة العالقة.
في المقابل، توجد وجهة نظر أخرى تعتبر أنه لا تجوز تجزئة الحقوق، وان من واجب لبنان وصلاحياته التنقيب عن النفط ضمن الـ860 كلم2، من دون زيادة او نقصان، لأن ملكيتها تعود اليه، كما ثبت من خلال عملية المسح التي أجريت استناداً الى قواعد علمية في القياس، معترف بها دولياً، وحدّد لبنان بموجبها حدوده البحرية، ثم أصدرها في مرسوم، وسلم الخرائط المتعلقة بهذا الأمر الى الامم المتحدة، لتأخذ علماً بالحدود من المنظار اللبناني، علماً أن اصحاب الرأي الاول يعتبرون انه ليس مهماً ان يقرر لبنان وحده الحدود، بل ان المحك يكمن في ان تُقر الاطراف المعنية الأخرى بأحقيته فيها.
وبانتظار ان يحسم مجلس الوزراء هذا النقاش، مشكلة أخرى تواجه بدء "الفتوحات النفطية" وهي تركيبة هيئة إدارة قطاع البترول التي لا تزال موضع أخذ ورد، بسبب استمرار التباينات حول بعض تفاصيل سلة الاسماء.
هيئة البترول: "البازل" الدقيق
وفي هذا السياق، قال وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لـ"السفير" إن تشكيل هيئة إدارة قطاع البترول هو كتركيب "البازل"، وبالتالي لا يكفي ان تكون بحوزتنا ستة أسماء مرشحة لملء مراكز الهيئة، وفق التوزيع الطائفي المقرر، وإنما هناك حاجة الى التوفيق بين كل أجزاء "البازل" وان يأخذ كل جزء مكانه الصحيح، بما يؤدي الى اكتمال الصورة في نهاية المطاف.
وأضاف: صحيح ان الاطراف المعنية قدمت أسماء، وهذا أمر إيجابي ومفيد، لكنه لا يكفي، والمطلوب من كل طرف ان يـأخذ بالاعتبار وهو يقترح الاسم الذي يعنيه، مدى ملاءمته مع القطع الباقية من "البازل"، وعدم الاكتفاء بتقديمه فقط، مفترضاً انه أدى بذلك واجبه. وشدّد على ضرورة التوفيق في معادلة تأليف الهيئة بين الاسم والطائفة والاختصاص، بحيث يكون الشخص المناسب في المكان المناسب حقاً.
وأكد باسيل ان "ما نسعى اليه هو الحصول على من هم الأفضل بين الجيدين، وليس الاقل سوءاً بين السيئين، كما درجت العادة في لبنان"، معرباً عن اطمئنانه الى ان الهيئة ستولد قريباً. وتوقع ان يتم في الفترة التي تفصلنا عن نهاية السنة الحالية إنجاز الخطوات المتبقية والضرورية لبدء المناقصات، وهي تشكيل الهيئة، إصدار المراسيم المتبقية، والإطلاق الرسمي لدورات التراخيص.
وكشف باسيل عن ان الرقم الذي افصح عنه حول كميات الغاز المتوافرة على تخوم المنطقة الحدودية المتنازع عليها مع إسرائيل، وهو 12 ألف مليار قدم مكعب، ليس سوى عينة عما تحويه مياهنا، مشيراً الى ان لدينا تقديرات حول وجود كميات كبيرة في الشمال والوسط والمياه الجنوبية القريبة الى الشاطئ.
ميقاتي ـ كلينتون
ومسألة الحدود البحرية، حضرت في جدول أعمال اللقاء الذي عقد في نيويورك، بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، التي طلبت من لبنان أن ينظر إيجاباً الى مشروع التسوية الذي وضعه الموفد الأميركي الى الشرق الأوسط فريدريك هوف، بشأن الحدود البحرية مع اسرائيل. وحضت "الحكومة اللبنانية على الإسراع في حل النزاع القائم في شأن الحدود المائية اللبنانية والبدء باستثمار مواردها الطبيعية".
وشكر ميقاتي وزيرة الخارجية الاميركية على الدعم الذي تقدّمه لإبعاد لبنان عن مشكلات المنطقة، مشيراً الى "وجود توافق بين مختلف الاطراف اللبنانية على الحفاظ على الاستقرار في لبنان، وإبعاده عن تداعيات الاحداث الجارية حوله، وتجلّى ذلك في "اعلان بعبدا".
اما كلينتون فقد أشادت "بدور الحكومة اللبنانية في الحفاظ على الاستقرار في لبنان وتطبيق القوانين". ونوّهت "بالدور الذي يقوم به الجيش اللبناني لحماية الاستقرار".
وعلمت "السفير"، استناداً الى مصادر الوفد الأميركي، أن كلينتون ركزت على قضية اللاجئين السوريين، الذين بلغوا حسب الاحصاءات الأميركية 73 ألف لاجئ، وشددت على أن "لبنان بلد محوري، وبرغم تمسكنا باستقرار لبنان وبعدم انتقال مشكلات سوريا اليه، الا أن على لبنان كبلد مجاور لسوريا، أن يلعب دوراً مهماً، وخصوصاً من الناحية الانسانية. فالنازحون السوريون يمرون في ظروف مأساوية، وعلى لبنان أن يتأكد من اتخاذ كل الإجراءات الآيلة الى مساعدتهم، وعدم اعادة أي لاجئ سوري أو ترحيله الى مكان قد يتعرض فيه للعنف أو الموت".
ورد ميقاتي بأن لبنان متعاون في قضية اللاجئين ويقوم بواجباته، لكن المتطلبات والأعباء كبيرة على الحكومة، ولذلك نحتاج الى مساعدة دولية، وأكد أن الاجراءات التي تقوم بها الحكومة في موضوع اللاجئين مستمرة.
بري ـ بلامبلي
وبالعودة الى الملف النفطي، علمت "السفير" انه كان حاضراً خلال "لقاء متوتر" عقد مؤخراً بين بري والممثل الشخصي للأمين العام للامم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي. وبعدما انتهى بلامبلي من طرح أسئلة أزعجت بري حول الوضع في الجنوب، تناول النقاش مسألة حدود لبنان البحرية وحقوقه النفطية، وعرض بري ان يمتنع لبنان والكيان الاسرائيلي عن القيام بأي أعمال استكشاف وتنقيب في المنطقة المتنازع عليها، بانتظار إيجاد حل للنزاع القائم، معتبراً ان من واجب الامم المتحدة المساهمة في ترسيم الحدود البحرية عملاً بالقرار 1701.
لكن بلامبلي لم يعكس في رده تجاوباً كبيراً مع ما سمعه، الامر الذي دفع رئيس المجلس الى القول له بحدة، وقد أمسك بكوب الماء الموجود على الطاولة: ليكن معلوماً أننا لن نتنازل عن مقدار كوب ماء واحد من حدودنا البحرية وحقوقنا النفطية.
وقال بري لـ"السفير" إن "المعطيات التي كشف عنها الوزير باسيل، بعد الرحلة البحرية الأخيرة، تؤكد صوابية ما أطرحه منذ سنوات، حتى بُحّ صوتي، حول وجود كميات لا يستهان بها من النفط في المياه اللبنانية"، معتبراً ان الحقائق العلمية التي توصل اليها المسح الثلاثي الأبعاد للمنطقة الجنوبية الخالصة تشكل تطوراً بارزاً ومهماً في رحلة لبنان نحو التنقيب عن النفط.
واعتبر بري ان من واجب الحكومة الإسراع في تشكيل هيئة إدارة قطاع البترول كي تباشر في إجراءات تلزيم عمليات التنقيب، موضحاً ان "حركة أمل" و"حزب الله" قدما اسما للمركز الشيعي في الهيئة، هو من أصحاب الكفاءات البارزة. وأضاف: نحن نقدم كل التسهيلات الممكنة من أجل تسهيل ولادة الهيئة، وقد وافقنا على ان تكون رئاستها مداورة بين الأعضاء الستة، علماً انه كان مطروحاً في البداية ان يكون رئيسها شيعياً.
استهداف عون
على صعيد آخر، بقيت حادثة إطلاق النار على موكب وهمي للعماد ميشال عون خلال عودته من جزين، مادة للتجاذب السياسي والاعلامي، فيما قالت مصادر قضائية لـ"السفير" إنه تبين ان هناك ثلاث رصاصات أطلقت على الموكب، موضحة أن من الأرجح ان تكون هذه الرصاصات قد أطلقت من رشاش كلاشينكوف او سيمونوف.
وأكدت المصادر ان التحقيقات أظهرت ان إطلاق النار، تمّ من محيط المكان الذي شهد الاعتصام في صيدا، وان عدداً من الاشخاص سمعوا بالفعل صوت إطلاق نار، والقضاء بصدد الاستماع الى إفاداتهم.
واعتبرت المصادر أن عدم توقف الموكب بعد إطلاق النار هو أمر طبيعي، لأن رد الفعل التلقائي في مثل هذه الحال يقود السائق الى زيادة السرعة لمغادرة مكان الخطر، وليس التوقف.
وخلصت المصادر الى الاستنتاج أن عون تعرض بالفعل الى محاولة اعتداء، تتوافر فيها كل العناصر الجرمية، والتحقيق متواصل لجلاء كل الملابسات.
وكان عون قد أكد، بعد الاجتماع الأسبوعي لـ"تكتل التغيير والاصلاح"، حصول محاولة لاغتياله، مشيراً إلى أن "البعض قبلها ولكن البعض الآخر شكك فيها، وهناك دلائل مادية وقضاء وتحقيق، ولكن ان تصل السفالة الى حد القول إنني أقوم بهذا من اجل الانتخابات وشعبيتي، فأقول لهم الحمدلله شعبيتي جيدة". وأوضح أنه "تم إطلاق النار على المقعد الخلفي لجهة اليمين أي هناك استهداف لمن يجلس بالخلف"، معتبراً أنها "محاولة اغتيال وليس فقط رسالة"، لافتاً الانتباه الى أن "3 رصاصات أطلقت، وواحدة أصابت السيارة".  
 

السابق
الاخبار: هل تكمل النسبية ورقة التفاهم بفريق سني؟
التالي
النهار: مسلسل المخطوفين: لبناني ثان بعد التركي الثاني وميقاتي يتعهّد إجراء الانتخابات النيابية في موعدها