الرسالة القاصرة

ليس صعباً حصر عدد المرات التي حكى فيها الرئيس الأميركي بالأمس عن الديموقراطية وحرية الشعوب والأمل والتقدم والرفاه والرخاء والحق في التعلّم والعيش والكلام والتعبير بكل أشكاله..
وليس غريباً، أخذه الربيع العربي قاعدة لمطالعته الجميلة والفصيحة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة وإدراجه ذلك الحراك غير المسبوق، في صلب القيم الكبيرة والنبيلة التي تعيش الولايات المتحدة في ظلها وتمارس أدوارها في العالم الأوسع انطلاقاً منها..
وليس غريباً بعد ذلك، أن يعيد رئيس أكبر وأهم دولة في العالم تذكير العرب والمسلمين بوقوف إدارته إلى جانب تطلعاتهم وآمالهم. ولا أن يعيد التذكير بمكارم الاعتدال في مواجهة التطرف. ولا بضرورة تشغيل العقول وتعطيل الانفعال، وإيثار البناء على الهدم.
كل ذلك ظهر بأبهى مصطلحاته وقوة سبكه ووقع كلماته في ذلك الخطاب الذي يشبه في روحيته، خطابه الشهير في جامعة القاهرة!

غير أن قصة العرب والمسلمين مع هذه الإدارة وكل إدارة في البيت الأبيض، حتى إشعار آخر، تبقى محكومة بالغرابة والاستثناء، أو بالأحرى بما يمكن وصفه بـ"العامل الإسرائيلي".
لم يقل الرئيس أوباما بالأمس كلمة واحدة عن القضية الفلسطينية. ولم ينطق بجملة مفيدة واحدة عن شعبها ومعاناته والمظالم التاريخية اللاحقة به. وكأن كل مصطلحاته الجليلة تنطبق على كل شعب إلاّ شعب فلسطين!.. قطع بنفسه الطريق على وصول بلاغه الفائض الحيوية إلى الذين خاطبهم في هذه المنطقة! ولَجَم تحت وطأة الحساب السياسي الأميركي المألوف، التكتي والاستراتيجي، تحوّل ما قاله إلى مادة محاججة يُعتدّ بها في وجه من شيطن ويشيطن كل موقف أميركي.

صعب في الإجمال فهم وإدراك تلك التركيبة التي تنتج موقفاً أميركياً رسمياً دائماً، قاصراً عن مقاربة القضية الفلسطينية بما يتلاءم مع مصالح الولايات المتحدة نفسها، والتي يفترض مبدئياً ومنطقياً ألا تستبدل العلاقة الصحيحة مع مليار و300 مليون عربي ومسلم بعلاقة مع الإسرائيليين وحدهم!

يتحدث الأميركيون دائماً عن الفرع وينسون الأصل. وعن الهامش وينسون المتن. لا يريدون الإقرار بأن "موضوع" فلسطين وشعبها هو الجذر الأول لكل "موضوع" آخر. وطالما أن ذلك الجذر مزروع في ظلم لم يعد له مثيل في أي بقعة فوق هذه المعمورة، فإن "الرسالة" الأميركية لن تصل كما يجب، بغضّ النظر عن مضمونها، وحرارة كلماتها وصدق نيّاتها!
  

السابق
الذكرى الـ30 لإنطلاق جبهة المقاومة الوطنية في النبطية
التالي
أحرار الشيعة ضرورة وطنية