أحرار الشيعة ضرورة وطنية

بنهاية سنة 2009 وتحت عنوان "تعدّدية الرأي لدى زعامات الطائفة الشيعية" كتبت مقالة ولم يكن بعد أي نظام عربي قد طاله الربيع، وقد جاء فيها: "اني ادعو بصدق وقبل اي اصلاح، الى تظهير تعددية الرأي لدى الطائفة الشيعية الكريمة… عندها سيسهل حلّ امور عديدة وستنفرج التعقيدات الدستورية في البلاد وسيمكن ايجاد القانون الانتخابي الملائم لشعب لبنان بتعدديته… وسيصبح لنا موالاة فيها سنة وشيعة وموارنة ودروز… في مقابل معارضة هي أيضاً تضم افراداً وزعماء فعليين من عين طوائف الموالاة.
عندها سيصبح لبنان اشدّ مناعة وسيتبارى الساسة في الابتعاد عن خِطَب التجييش الطائفي.
عندها سيدرك اللبنانيون وحزب الله معهم ان الاكثرية هي دائما اقوى من الاجماع التوافقي الهش والمفروض، كما سيدركون ان قوة الاقناع هي افعل واقوى من قوة التسلط. ان الحلّ في متناول اليد والعقل، فلنر!"
وبعد مضي قرابة السنتين على المقالة الاولى، وبعد انطلاق الربيع العربي في اكثر من دولة، وتحت عنوان "كي لا نكون آخر من استفاد من الربيع" كتبت: "ان الفرد الشيعي في لبنان هو الاكثر حاجة للربيع العربي الذي يعني له التحرّر من الالغاء أو التهميش الذين فرضا عليه…
هذا الانسان بمقدوره اليوم مواكبة الربيع وربما ريادته، لكن عليه ان يُقْدِمَ الآن وبقوة على كسر الحاجز الفولاذي الذي وضع فوق رؤوس ابناء الطائفة فيعبّر عن رأيه بصوت حرّ وعال!
ولا يكفي موقف بعض الناشطين والمثقفين الشيعة المنتقدين لحزب الله وأمل بل يجب أن تتسع "رقعة المتحرّرين" المنقلبين على الهيمنة. باختصار اني ارى ان ربيع لبنان لن يكتمل ما لم يواكبه ربيع شيعي، فهل يتحقق؟"
كان وراء حماسي للتعددية الشيعية وللربيع الشيعي غيرتي لرؤية اخوتي، شيعة لبنان، يشاركوننا فرحة سقوط النظام القاتل في سوريا كما كان هدفي الحؤول دون ان يلعب حزب الله بعواطف ابناء الطائفة فيخيفهم ويجيّشهم ضد الربيع السوري وكذلك ان يستمر في خطف قرارهم!
من ناحيته كان دولة الرئيس سعد الحريري يكرر تأكيده في اكثر من مناسبة انه، وبالرغم من اتهام المحكمة الدولية لقياديين في حزب الله، لا يريد ان يحمّل باي شكل من الاشكال تبعة جريمة قتل والده الى طائفة أو حتى الى جماعة بأكملها…
كان دولته يغلّب حسّه الوطني ويمّد اليد الى طائفة بأكملها لانه يدرك ويؤمن ان نسبة كبيرة من ابناء الطائفة الشيعية مغلوب على أمرها ويجب الاستمرار بطمأنتها والانفتاح عليها…
على هامش هذا الموضوع كانت ارقام الانتخابات النيابية في المناطق ذات الغالبة الشيعية تظهر نسباً مذهلة للمقترعين الشيعة الذين اعطوا للوائح حزب الله وحركة أمل 99% من اصواتهم في دائرة بعلبك الهرمل و97% في دائرة حاصبيا مرجعيون في دورة 2009!!
انها حتماً نسب لا مثيل لها إلا في الديكتاتوريات القمعية، وهي لا تمت للديمقراطية بشيء. ان في ذلك اكبر تأكيد على ان الطائفة مخطوفة بأكملها!
أما لماذا العودة اليوم للماضي ولما ترداد ما سبق وقيل وكتب؟؟ ببساطة لانه وبالرّغم من مضيّ زمن على انكشاف وثائق "الويكيليكس" استفاق اليوم بعضهم على محاضر قديمة ليستعملها في تهديد وتخوين "احرار الشيعة" مِمَن تواصلوا مع السفارة الاميركية في وقت من الاوقات، وممن اخذوا اكثر فأكثر يتجرؤون على حزب الله وعلى سياساته.
ان خطورة الهجمة اليوم على "احرار الشيعة" تكمن في انها تحصل في زمن بلغ تأزمن حزب الله درجة كبيرة، فهو يستشعر ان الامور لا تسير لمصلحته وانه خسر الورقة الفلسطينية وشعارات الدفاع عن القدس التي لطالما اغرى وجذب الجماهير العربية عبرها، وما الحماسة الملفتة وشدّة اضطراب سماحة السيد حسن نصر الله في الدفاع عن الرسول محمد (ص) ومهاجمة اميركا بمناسبة الفيلم المشبوه التافه إلا تأكيداً اضافياً على محاولة بائسة من قبله في تجميل صورة حزبه لدى الشعوب العربية والمسلمة إضافة لنيّة التغطية على قتال الحزب الى جانب السفاح المجرم في سوريا.
باختصار ان الحزب وأزلامه الملكيين اكثر منه مرعوبون من المستقبل وهم يعدّون العدة لكل الحروب التي تحفظ بقاء سيطرتهم وغطرستهم. إن أول ما يخشونه اليوم هو انتفاضة المجتمع الشيعي عليهم.
إن حزب الله قلق من الربيع الشيعي وطلائع أبطاله المقدامين لأنه يعلم أن السبحة إن كرّت فستكبر كرة الثلج وستكون العواقب وخيمة عليه وعلى مصالح رعاته الايرانيين في لبنان. لذلك فإن المطلوب، بالنسبة له اليوم، التشدد وإخافة وتهديد كل إنسان شيعي يفكر بإطلاق انتفاضة في هذا الوقت بالذات وعلى أبواب الانتخابات النيابية… وما همروجة رفع الغطاء عن بعض الخارجين عن القانون في مناطق نفوذ الحزب إلا لإخافة هؤلاء ولإلهائهم عنه وعن أي خطوة انفصالية معترضة ممكن أن يقدموا عليها هم وأهلهم وعشائرهم… نعم إن بعض الرؤوس الحامية القريبة من حزب الله ومن سوريا تريد أن تدفعه إلى مزيد من التشدد وفي كل ذلك خوف على لبنان.
يبقى أنه لا بدّ لنا من محطّة تُذَكِّر من يتهم "أحرار الشيعة" بالعمالة، بواقع حاله هو وفريقه:
إن ايران الخميني لجأت إلى اسرائيل وسلاحها للوقوف في وجه عراق صدام حسين! وإن العماد عون لجأ إلى الأميركي واللوبي الصهيوني من أجل مساعدته في استصدار القرار 1559!! وإن بعض مسؤولي حزب الله "تهركلوا" أمام الأمراء القطريين وعبيّيهم أيام رفعوا شعارات "شكراً قطر" على رغم معرفتهم بالعلاقات الاسرائيلية القطرية!! وإن القوات الأميركية مرّت عند غزوها للعراق بكل أسلحتها من تحت أنف ايران الحرس الثوري وكل فيالقه!! وإن النظام الممانع زيفاً في سوريا ضمن للكيان الصهيوني الحدود الآمنة لأكثر من أربعين عاماً!! وإن حزب الله وفريق 8 آذار فرحوا ذات يوم بعودة السفير الأميركي إلى سوريا فرحاً كبيراً…
ثم نسأل لماذا تكون "ويكيليكس" "أحرار الشيعة" عمالة في حين أن "ويكيليكس" نواب ووزراء حركة أمل هي أخوية ومتفق عليها؟؟ وهل ثبت يا ترى من محاضر الويكيليكس العائدة "لأحرار الشيعة" أنهم أعطوا إحداثيات ومعلومات حربية للعدو؟؟ وهل هناك شكوك أو أدلة على أن أي من "أحرار الشيعة" قد نقل متفجرات للقتل ولزرع الفتنة كما فعل ميشال سماحة البطل المقدام حسب وصف رفيقه في سيارة ال"أودي"؟؟ وهل وجِدَ مع أي من هؤلاء "الأحرار" وسائل اتصال بالعدو مثل ما حصل مع العميل "قليل الدسم" فايز كرم؟؟
وهل أن أي من هؤلاء "الأحرار" تجسس لصالح العدو كما فعل مسؤولون في حزب الله مؤخراً؟؟ هل باع أحدهم أسلحة الحزب إلى الثوار في سوريا؟؟ هل صنّع "حرٌّ" حبة مخادرات كما صنّع سواه "حبة السيّد" قبل أن يساعده حزب الله على التواري؟؟ والجواب حتماً لا! إن كلّ ذنب هؤلاء الأحرار هو أنهم عبّروا بجرأة عن اختلافهم مع حزب الله.
ثم إن "أحرار الشيعة" لم تتلطخ أيديهم بدم اللبنانيين لا في 7 أيار ولا بعد 7 أيار كما أنهم لم يشتركوا في قتل أطفال سوريا بل على العكس جاهروا ويجاهرون بموقفهم إلى جانب الحق والثوار، وهنا لا بدّ لي أن أؤكد أن "أحرار الشيعة" كثر كثر وليسوا محصورين بمن وردت أسماؤهم بالويكيليكس. كما أنهم غير تابعين لا لفريق 14 آذار ولا لتيار المستقبل ولا لسواهما حتى أنهم ليسوا جسماً واحداً للأسف. "أحرار الشيعة" ليسوا بالضرورة حلفائي ولكنهم يستحقون أن يُسمع رأيهم وأن تصان حريتهم في التعبير، إنهم ضرورة للبنان المتنوع وإنه من واجبنا التضامن معهم. لقد خرج "أحرار الشيعة" من القمقم ولن يعودوا إليه شاء أيتام بشار في لبنان أم أبوا.
 

السابق
الرسالة القاصرة
التالي
لماذا أعلن الجيش السوري الحر نقل قيادته إلى الداخل؟