الإسلاميون في الربيع هل هم أنفسهم في الصيف؟

للمرة الاولى منذ ثلاثة عقود تُعقد ندوة موضوعها الرئيس الإسلاميون ولا يكون لـ"حزب الله" فيها رأي أو تنظيم أو مشاركة رسمية إلا على مستوى الضيوف من خلال ورقة الدكتورعلي فياض، التي طالها النقد من قبل بعض الحاضرين المنتمين للحزب في المؤتمر، جرّاء تضمنّها انفتاحا تنظيريا في موضوعة (المحور السياسي) للمؤتمر والتي أيدت العلمانية المؤمنة.
وللمرة الاولى، منذ اكثر من 3 عقود يقتحم السنّة المتدينون ساحة، اكتسحها قبلهم الشيعة (حزب الله)، وشكّل فيها السنّة الداعم الخلفي للمقاومة بعد إيران وسوريا، وان اقتصر الدعم على حركتي حماس والجهاد الاسلامي فعليّا. والمقصود الجناح المتدين والمتشدد من السنّة وليس الخط القوميّ العربي كون هذا الخط لا يتخذ من الدين خطابا له ولا أساسا في الأصل.

ورغم التقارب بين "حماس" (علي بركة) و"حزب الله"(محمود حدرج) داخل المؤتمر، فيما يخص لعبة المذهبية الخطيرة التي يسعى من يشعلها الى شرخ في الأمة اكبر من اي عدوان آخر- بمعنى انهما اتفقا على سيئات المذهبيّة الأشد خطرا من الاسلحة الأخرى التي استعملها العدو والذي يشمل مصطلحي (الغرب واسرائيل)، الا ان ذلك لم يمنع تبيان ظاهرة تبدو عرضية وهي تقوم على قاعدة (الآن حان دوري) و(العصر عصر السُنّة) وغيرها من المفاهيم شبه الواضحة والعلنيّة، ولا تحتاج لكثير من البحث.

واستطرادا، يسأل المراقب، لو ان الاسلاميين كانوا موحدين منذ انطلاقة الثورة الاسلامية في ايران هل كان تأخّر المدّ السلفي السنيّ الى الان ليظهر وبهذه القوة؟ هل ساهمت ايران بسياستها المذهبيّة في اشعال نار السُنّة الدينية؟ وهل مكتوب عل العرب ان يكتووا بنار هذه التيارات بالتدرج على مختلف اتجاهاتها؟ ألم يحن الوقت لولادة تيار مدني خالص؟

هذه الولادات المتكررة للتيارات المذهبية على انواعها تُعيد الامة الى العصور الأولى حيث يجتّر المجتمع العربي تاريخه المليء بالمشاكل والخلافات، والتي طالب السيد جعفر فضل الله في محاولة للتقريب بعودة جميع التيارات الاسلامية الى المجال النظري للبحث في كيفية الخلاص من الخلاف العملي.

وللمرة الأولى، نرى ان الكلام الفصل في الحديث عن الثورة هو لشيوخ معممين وسلفيين ومتدينيين اعتدنا منهم التسويق للحاكم وللزعيم، واعتدنا منهم الانشغال بقضايا الوضوء والطهارة والنجاسة. انه عصر لا يشبه عصرا غيره، لكون الأدوار تقلّبت بشكل هزليّ. اذ ان المنظّر للحرية وللمقاومة بات لا يجد له مكانا وباتت مقاومته بالية (démodé). يا للهول انها اللحظة التي لطالما تمنّتها اسرائيل. والمثال هو ما حدث مع أحد المدعوين الذي تعرض الى نوع من طرد من داخل القاعة بسبب دفاعه عمن واجه اسرائيل لمدة 3 اشهر وعشرة أيام، وكان يقصد حرب الإستنزاف وحافظ الاسد. لكن سخرية زهير العبيدي، القيادي السابق في الجماعة الاسلامية أشعل المواجهة. فبدا المُداخل(المطرود) كأنه يغرّد خارج الزمن. 

لقد تغيّرت الصورة بسرعة رهيبة خلال سنتين، يُعدّون بعمر الأمم يوما واحدا. باتت الثقة تتمخض من حديث السلفيين والمتدينيين والتكفيريين والدعاة الذين لم يكونوا يجدون فرصة لهم للإطلالة الإعلامية الا لردّ تهمة ما عنهم أو لتبرير فعل ما.
اليوم بات الإسلامي يحجز له حيّزا مهما في الأدبيات، رغم خوف الناس من سيطرتهم على الحياة العامة، وقد برز هذا الخوف في مصر وتونس بشكل كبير. علما ان الاسلاميين، لم يطرحوا – ولو من باب ان القيادة والادارة مستقبلا في الدول المحيطة ستؤول اليهم- أية نظرية تطمئن الاقليات. والشيعة يُعدون من الأقليات رغم نفيّ أسامة حمدان (حماس) لهذا القول، الا ان هذا الخوف سببه تكفير عدد كبير من تيارات الثورة الجارف للمسلمين الشيعة الذين يتشاركون مع السنّة في جميع أُسس ومبادئ وقوام الدين الاسلامي كله.

خوف الاقليات، وضمنهم الشيعة، مبرر كما هو خوف المسيحيين في سوريا وفلسطين المحتلة والأردن… لأن السلفي الذي كان مضطهدا طيلة اعوام، وتفاجأ بالثورة فمشي في ركبها، لا يتقن فن السياسة والحكم الا فيما سطرّه على الورق بعض المفكرين الدعاة كحسن البنا وسيد قطب والماوردي وكل من سبق أو لحق.
القصة لسيت هنا، فالموضوع السلفيّ الإسلامي التكفيريّ الذي وصل الى اعلى المناصب في مصر وتونس وليبيا، وقريبا في سوريا، هل يبقى غافلا عن أزمته الفكرية في العلاقة مع الآخر المختلف ولو شكليّا؟ وهل يبقى للنظريات كحرية المعتقد في الاسلام مكان في ظل استعار الخلاف ونبش القبور؟

والقصة الأهم هي في كيفية تلاقي مؤسسة الفكر الاسلامي المعاصر بما تُمثل من انفتاح وخطاب وحدوي حقيقي لا خطابي، مع تيارات أصوليّة- تمثلت من خلال الحضور والكلمات- لا تزال تنظر الى التراث بوصفه كاملا تاما غير معرّض للنقد كونه لم تتح له الفرصة للتطبيق!
ان سيف الممارسة والحكم وصل الى رقاب المنظرين، والسؤال الواجب الاجابة عليه من القوى الاسلامية هو هل ان تواصلكم مع الشيعة مستقبلا سيكون مع خوارج الشيعة؟ أم مع الغلاة فيهم؟ وهل ستلعبون دور الاقصاء للتيارات المقابلة لكم في المذهب الشيعي أي السلفية الشيعية؟ أم أنكم ستتحاورون مع المعتدلين الذين لن يكونوا بمنأى عن أي نفي من جانب الأصولية الشيعية؟
علما أن ثمة أطرافا شيعية غير شعبية، ذات مواقع ثقافية مهمة وترتبط بمختلف القوى السياسية ولا تعطي أهمية للجانب الديني بقدر اهتمامها بالجانب الوطني أمثال السيد هاني فحص والسيد محمد حسن الأمين الذين يتقاربان سياسيا مع الإسلام السنيّ فيما يخص الربيع العربي ويبتعدون دينيا لجهة رفضهم للتشدد الديني، هذا الخط يعاني من صعوبة قبول الناس به كونه غير ايديولوجي، وقد وضع نفسه في قارب المثقفين الذي يميل مع أمواج القوى السياسية لا الدينية.
في المقابل يقف حزب الله والسلفية الشيعية،الآخذة في النمو، جراء التواصل الشيعي اللبناني- الخليجي(العراق والكويت والسعودية والبحرين) كتيار يحاول الدفاع عن نفسه بمزيد من التشدد أيضا وهو التيار الذي يجمع مزيدا من الجمهور بسبب الفضائيات المتطرفة وبالأخص العراقية.
ويبقى وحيدا الخط المعتدل، والذي يمثلّه ورثة فكر السيد محمد حسين فضل الله. فهل نشهد معركة حامية بين الطرفين المتشددين من شيعة وسنة؟ أم نشهد ولادة تيار وحدويّ يلاقي من يقابله في الضفة الأخرى؟

السابق
مواجهة تداعيات الاستبداد
التالي
حمم أطفاله في مقر إدارة المياه