أخت بشار في دبي

الصيدلانية بشرى حافظ الأسد، وظيفيا لم تعرف إلا باثنتين، كانت بنت الرئيس الراحل حافظ، وأخت الرئيس الحالي بشار. كانت تلك شهرتها، والآن شهرتها أنها صارت خارج سوريا، بعيدا عن سلطة أخيها وشبيحته وخارج حدوده.

بشرى في دبي، موناكو الشرق وسويسرا العرب، على نفس الرصيف الذي يعج بالكارهين لنظام أخيها، رافعي الأكف الداعين لإسقاطه. دبي الواحة الوحيدة في المنطقة التي يلجأ إليها الجميع، الفارون من الثورات، والقانعون بالتقاعد مع الحالمين بالملايين، مع الفارين اجتماعيا من الباحثين عن مطعم بيتزا أو سينما مع عائلاتهم. لكل قصته في هذه المدينة، لكن لبشرى قصة مختلفة.

هل نسميها هاربة من الجحيم، منشقة على نظام مجنون، متمردة عائليا، أم أرملة محطمة مع أولادها الخمسة، أو أنها سيدة في إجازة مثل مئات الآلاف الذين هبطوا على دبي هذين الأسبوعين؟

طبعا لا تستطيع أن تقول إن خروج الأخت الوحيدة، للرئيس بشار، هتلر العرب، من بلدها في محنة حرب حقيقية مجرد نزهة، أو شجار عائلي. بل هو عمل سياسي حتى لو اكتفت بشرب قهوة في أحد مقاهي ممشى الـ«جي بي آر»، وهذا اسم الحي وليس أحد أسماء الأسلحة الروسية.

كنا ندري عن الأخت عندما فرت مرة من قبل، قبل ثلاث سنوات، إلى دبي أيضا، ثارت على أخيها قبل ثورة درعا ودمشق بنحو عام. وعرفت بأنها صلبة الرأس، تمردت على إخوانها الثلاثة عندما تزوجت من آصف شوكت، وبلغت المواجهة معهم حد إطلاق النار على زوجها آنذاك. طبعا، لا نريد أن نعطيها نوط البطولة على مواجهاتها لإخوتها فقد كانت في إطار شجار عائلي. لكن من المؤكد أنها غاضبة عليهم منذ زمن، واليوم ضحية من ضحايا بشار الأسد، مثل عشرات الآلاف من الأرامل والثكالى، الذين يلومون الجزار بشار على ما أصابهم.

الزوج آصف في الغضبة الماضية، قبل ثلاث سنوات، انضم إلى زوجته في دبي متحديا بشار، ثم قبل الزوجان الوساطة وعادا إلى دمشق بوعود كثيرة، النتيجة أن بشار الجزار ركل آصف إلى أعلى عقابا، رقاه إلى رتبة عسكرية «عماد»، لكن عزله من منصبه المهم كمدير للاستخبارات وأعطاه منصبا شكليا، نائب رئيس الأركان. وعندما قامت الثورة وضيق الثوار الدوائر على بشار عاد إليه وعينه نائبا لوزير الدفاع، زوج بشرى قتل بعد أربعين يوما فقط من تكليفه بالمنصب، في انفجار مبنى الأمن القومي، أو ما عرف بخلية الأزمة.

ما الذي يهم العالم في خروج بشرى، التي لم تعمل في الصيدلة أو السياسة؟ الحقيقة هي نموذج وضحية لبشار وممارساته، ومن الواضح أنها نأت بنفسها عن أفعاله، وتخلت عنه. الكثير من زوجات قيادات السلطة وأراملهم الغاضبات يتمنين الفرار إلى دبي، لكن «دخول الحمام ليس مثل خروجه»، كما يقول المثل المصري الدارج الذي يشبه حالة سوريا، وحكايته أن أحدهم فتح حماما تركيا وأعلن أن دخول الحمام مجانا، وعند خروج الزبائن من الحمام حجز ملابسهم ورفض تسليمها إلا بمقابل مالي، احتجوا عليه بوعده لهم، فرد عليهم: أنا قلت دخول الحمام مجاني، ودخول الحمام مش زي خروجه! وحال الذين يشاركون بشرى نفسيتها لكن مترددون في الخروج من سوريا مثل مصري آخر يقول «اللي اختشوا ماتوا».

بشرى تعرف أخاها أكثر من بقية السوريين، بصفاته السيئة، من الجهل إلى الإجرام، لهذا ربما باعدت نفسها عنه حزنا وكمدا. ونحن نأمل في بقية أقارب الرئيس ومحيط أصدقائه وطائفته أن يحذوا حذو بشرى، أن يعتزلوا هذا الإجرام الذي يرتكبه بشار كل يوم باسمهم، يكفي اعتزالهم وخروجهم للتدليل على رفضهم لأفعاله.

السابق
واشنطن لم تتوقع ما حصل في ليبيا
التالي
ايران وسوريا ورقة ضغط على اوباما