هل بدأ فصل المسارين؟

ارتبط الملف اللبناني بالمشيئة السورية منذ زمن بعيد، وقد أُطلقت تسمية ترابط المسارين اللبناني والسوري منذ ما بعد مفاوضات السلام التي عقدت في مدريد في نوفمبر 1991. وكاد مجرد الحديث عن فصل هذين المسارين أن يصبح بمنزلة الخيانة العظمى.

ربط المسارين منذ 1991، كان علنا يهدف الى عدم عقد أي تسوية مع العدو الاسرائيلي إلا من قبل البلدين معا، أما ضمنا، فكان الهدف منه أسر لبنان من قبل سورية، والهيمنة عليه في كل مفاصل حياته السياسية والأمنية والاقتصادية. وعندما خرجت القوات السورية من لبنان عام 2005، كان القرار واضحا عند القيادة السورية بتخريب كل زوايا الاستقرار في لبنان، لتأكيد واقعة أنه لا يمكن أن يكون هناك استقرار في لبنان من دون سورية.

منذ فترة طويلة من الزمن لم يعد المساران مترابطين بسبب مفاوضات سلام مزعومة ـ وعندما شعر النظام السوري بالحاجة الى هذه المفاوضات، أجراها منفردا، ومن دون لبنان، بواسطة الاتراك عام 2007 ـ ولكن الترابط بين البلدين بقي قائما بهدف الدفاع عن النظام في سورية، وتوسيع نفوذه، وبالتوافق مع الشريك الإيراني القوي.

عندما عاد الرئيس ميشال سليمان من طهران ـ بعد مشاركته في أعمال قمة عدم الانحياز الشهر الماضي ـ برزت بعض المؤشرات على تعامل إيراني جديد مع الخصوصية اللبنانية، وقيل إن الرئيس سليمان كان صريحا مع القيادة في طهران، خصوصا فيما يتعلق بضرورة الحفاظ على هذه الخصوصية المهددة من قبل حلفاء إيران إذا ما استمر تعامل هؤلاء مع الدولة اللبنانية على الوتيرة القائمة، حيث سيؤدي هذا التعامل المتعالي حكما الى ضمور مؤسساتها في نهاية المطاف. وهذا يشكل ضررا على حلفاء إيران بالدرجة الاولى.

والرئيس سليمان، فاتح القوى السياسية اللبنانية، وبعض الدول الفاعلة في خطورة الانفلات اللبناني، لأن أحدا من هذه الدول الخارجية لن ينجو من شظاياه. وكان القرار بنشر مظلة حماية دولية وإقليمية فوق رأس مؤسسات الدولة اللبنانية، خصوصا الجيش الذي تمكن بسرعة قياسية من توقيف المخلين بالأمن من قلب الضاحية الجنوبية. وهو قادر على الوصول الى كل البؤر الخطيرة، لاسيما منها التي تمارس أفعال الخطف المشينة.

وإصرار البابا بنديكتوس السادس عشر على زيارته التي كانت مقررة سابقا، رغم الأوضاع الصعبة في لبنان، كان بهدف حمل الرسالة الدولية الى من يهمه الأمر، بأن اللعب بالاستقرار اللبناني، وما يمثله من تنوع، ومن ثقل مسيحي في الشرق، خط أحمر، وبرز ذلك جليا في خطبه، وفي زوايا الإرشاد الرسولي ـ الفائق الأهمية ـ الذي وقعه في حريصا.

النظام السوري المتداعي، يحاول ـ منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في وجهه ـ استخدام لبنان بوابة خلفية للهروب من أزمته، وكان له، ولبعض حلفائه اليد الطولى في الاضطرابات التي حصلت في أكثر من منطقة، وكادت تهدد الاستقرار اللبناني برمته، لصرف الأنظار عما يجري من مجازر وارتكابات على يد قوات هذا النظام في سورية.

القوى اللبنانية المختلفة على تقييم ما يجري في سورية، لم تنجح أي منها في تحقيق أهدافها بالنسبة لما يجري هناك. فلا القوى المؤيدة للنظام استطاعت إنقاذه من المأزق القاتل الذي يعيش فيه، ولا القوى المؤيدة للثورة تمكنت من دعم مسار هذه الثورة، أو التعجيل بانتصارها، فتوازن الرعب اللبناني حول ما يجري في سورية عطل قوة الفريقين، وكان الدافع الأساسي لما يحكى عن فصل لبنان عما يجري في سورية، في خطة تتجاوز مسألة «النأي بالنفس» الى خطة تستهدف الحفاظ على لبنان، المهدد بالسقوط في مخالب أنياب الأزمة السورية.

فصل المسارين في المفاوضات مع إسرائيل وقع حقيقة بفعل انتهاء سباق التسوية، فهل بدأ فصل المسارين في الملفات الأمنية والسياسية لتخليص لبنان من المأزق، الى أن يخرج النظام السوري من المعادلة، وتستقر الأمور؟  

السابق
إعترافات كوندوليزا..!
التالي
الربيع العربي يخسر سمعته!؟