مـاذا دار في الغذاء الامني بيـن بـري وقهـوجـي؟

عكست النقلة النوعية في أداء الجيش اللبناني في الضاحية الجنوبية تحولا بارزا على مستوى قواعد المعادلة الامنية لتلك المنطقة. وإذا كان البعض قد بنى حساباته في الماضي على اساس ان الشرطة البلدية او شرطة السير تمثل ذروة الحضور الرسمي، المسموح به في الضاحية، إلا ان التدخل الحازم للجيش ضد عدد من المطلوبين للعدالة، بغطاء تام من «حزب الله» وحركة «أمل»، فاجأ هذا البعض الذي كان يفترض ان بمقدروه الاستفادة من نفوذ «الثنائي الشيعي» للإحتماء به والتلطي خلفه.
ومن الواضح ان حركة «أمل» و«حزب الله» نفضا أيديهما من كل ما له صلة بأصحاب الارتكابات الذين باتوا يشكلون عبئا ثقيلا على التنظيمين وبيئتهما الشعبية وعلى صورة المقاومة، وهما بصدد تأمين كل الدعم الضروري للجيش من أجل استكمال مهمته في ضرب المخلين بالامن والاستقرار بيد من حديد.

وقد استفاد الجيش من هذا «المناخ الملائم» ليقوم بعمليات نوعية، لم تكن معتادة في السابق، كدخوله قبل فترة الى بلدة بريتال البقاعية ومداهمتها بيتا بيتا (بحثا عن المواطن الكويتي الذي خُطف آنذاك)، متجاوزا الخطوط الحمر الافتراضية التي لطالما رسمت حول هذه البلدة، ثم بادر الى اعتقال المتورطين من آل المقداد في حوادث الخطف في عملية مباغتة لم تكن بالحسبان، وصولا الى الإطباق على «عنتر الضاحية» حسن كركي.

وفي المعلومات، ان «عنتر» الذي توجد عشرات مذكرات التوقيف بحقه كان قد أطلق النار على اللواء غازي كنعان خلال حقبة وجوده في لبنان. ووفق رواية مصادر مطلعة، فان «حزب الله» وحركة «أمل» ساهما في تضييق الخناق عليه وتسليمه الى الجيش بعد فراره في المرة الأولى وإطلاقه النار على مجموعة من مخابرات الجيش، ما أدى الى إصابة ضابطين وبعض العناصر. وعُلم ان الرئيس نبيه بري تأثر بشدة للإصابة البليغة التي تعرض لها الضابط عباس جمعة (رائد) في الرأس، لاسيما وانه على معرفة شخصية وثيقة به.

وسط هذه الأجواء، استضاف الرئيس بري مؤخرا قائد الجيش العماد جان قهوجي الى مائدة الغداء في عين التينة، وبطبيعة الحال كان الملف الامني هو الطبق الرئيسي على المائدة.
خلال اللقاء، قال بري لقائد الجيش: يبدو ان الوضع في طرابلس اصبح افضل، وبالتالي بات يمكن التركيز على الضاحية والبقاع بشكل أكبر، ونقل المزيد من القوى العسكرية الى هاتين المنطقتين.
ولفت بري انتباه ضيفه الى ان حركة «أمل» تحملت انطلاقا من مسؤولياتها وتواجدها على الارض عبء تحرير العديد من المخطوفين الذين جرى اختطافهم، لكن هذا ليس عملنا في الاساس، ونحن نريد ان نزيح هذا الحمل عن كاهلنا..

وأكد بري ان المطلوب إطلاق «حملة تنظيف» واسعة في البقاع، على ان تبقى القوى الامنية والعسكرية متواجدة في المنطقة حتى إشعار آخر، الى حين التثبت من ترسيخ الاستقرار.
وأضاف مخاطبا قهوجي: أنا لا أريد ان أقول لك «إذهب قاتل أنت وربك».. نحن سنكون معك والى جانبك، وسنمهد لأي خطة أمنية ببعض الخطوات، ومن بينها:
– التواصل مع قيادة «حزب الله»، وأستطيع أن أجزم لك منذ الآن ان الاخوان في الحزب سيدعمون بكل قوة كل ما من شأنه تثبيت الامن والاستقرار في ربوع البقاع.
– التشاور مع العشائر ووضعها في جو الاجراءات التي سيتم اتخاذها، بما يؤمن احتضانا شعبيا للجيش في البلدات والقرى البقاعية، على ان يتم إبلاغ العشائر بان ما مضى قد مضى، لكن وبدءا من تاريخ تنفيذ الخطة الامنية يجب الالتزام بالقوانين المرعية الإجراء، تحت طائلة ملاحقة كل من يخالفها، وأؤكد لك ان المواطنين سيكونون متجاوبين، لاسيما وانهم أصبحوا لا يترددون في مغادرة منازلهم ليلا، خوفا من عمليات الخطف والسرقة، وبالتالي هم يتعطشون لعودة الامن والامان.

– عقد لقاء موسع مع رؤساء البلديات البقاعية لإطلاعهم على الخطوات الميدانية التي سيتم تنفيذها.
وانتهى الاجتماع بين بري وقهوجي الى التفاهم على ضرورة بدء تنفيذ الخطة الامنية في البقاع بأسرع وقت ممكن، وتقرر من حيث المبدأ المباشرة في تطبيقها أواخر الشهر الحالي، إذا كانت كل متطلباتها قد أصبحت جاهزة، علما أن قهوجي بدأ أمس زيارة رسمية الى بريطانيا، تعول عليها قيادة الجيش من أجل الحصول على مساعدات عسكرية وتطوير التعاون العسكري بين جيشي البلدين.
ويؤكد بري امام زواره انه سيمضي حتى النهاية في جهده للقضاء على مظاهر الفوضى الامنية في البقاع، لافتا الانتباه الى انه يدرك ان المعالجة لا تكون أمنية فقط، وان الحل الجذري يتحقق من خلال «نهضة إنمائية» تؤمن فرص عمل وبدائل عن الزراعات الممنوعة، لكن من بين الشروط الحيوية للإنماء واستقطاب المستثمرين إيجاد «بيئة آمنة» أولا، وهذا ما نسعى اليه.

ويتساءل بري عما إذا كان لدى أي متمول الاستعداد للاستـثمار في منطـقة غير مسـتقرة، بل حتـى من بقي من المسـتثمرين الحاليـين قد يغادرون إذا بقي الواقـع على حـاله، علما انني بذلت جهدا كبيرا لإقناع أحد المخطوفين المحـررين بعدم إقفال معمله في البقاع، وهو نفذ وعده لا بل أبلـغني مؤخرا أنه قام بتوفير العشـرات من فرص العمل الجديدة، اضافة الى تلك التي يوفرها للمـئات من أبنـاء المـنطقة.
ويشدد بري على ان التدابير التي ينفذها الجيش في الضاحية ستستمر، «ولا رجوع الى الوراء مهما كلف الامر، لأن الكيل قد طفح»، مشيرا الى ان هناك تفاهما تاما بين حركة «أمل» و«حزب الله» على وجوب مساندة المؤسسة العسكرية في عملية استئصال «الأورام الخبيثة» من الشارع، ليس فقط حرصا على هيبة الدولة وإنما حرصا على سلامة أهلنا بالدرجة الاولى.  

السابق
قضية سيادية
التالي
اغتيال عون الرسالة وصلت إلى الفاتيكان