السفير: الدولة المكشوفة: قادتها مهدّدون وناسها مخطوفون!

يكاد مشهد البلد يكون سوريالياً.. وما بعد، ما بعد المنطق!
المسؤولون يواجهون خطر الاغتيال، والمواطنون يواجهون خطر الخطف والسرقة. والمفارقة في هذه المعادلة، ان الذين يُنتظر منهم تأمين الحماية للناس، انطلاقاً من مواقع المسؤولية التي يشغلونها، باتوا يحتاجون الى من يحميهم.
إنه بلد يعيش، ويستمر حتى الآن، على بركات العناية الإلهية، في ظل انعدام جاذبية القانون والأمن، حتى أن "الجيش السوري الحر"، أيضاً، يريد أن يقتطع حصة له من مساحة الفوضى، ولو اصطدم مع الجيش اللبناني، كما حصل عند تخوم عرسال.
قيادات الصف الأول كلها تقريباً مهددة، وبالتالي يمكن القول إنها نصف "معطلة" على الأقل، ما يدفع الى التساؤل: كيف لبلد ان يدار بشكل متزن ومنتج، من قبل أشخاص يسيطر عليهم هاجس القتل؟ وكيف لهؤلاء ان يفكروا بطريقة سليمة، وأن يتخذوا قرارات صحيحة، فيما هم يرزحون تحت ضغط من هذا النوع، ويشعرون بأن اشباح الموت تحوم حولهم؟
أما شخصيات الصف الثاني من النواب والسياسيين فليست افضل حالاً، والعديد منها اضطر مؤخراً الى ممارسة "التقية الأمنية" للتمويه، إما من خلال السفر، وإما من خلال تعديل مقر الإقامة، وخريطة التنقلات.
أيها اللبنانيون، هذه لمحة عن أحوال زعمائكم وممثليكم: ميشال عون تعرض لمحاولة اغتيال. نبيه بري لا يتحرك إلا للضرورة القصوى، بعدما وُضع على رأس لائحة الاغتيالات. قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي ورئيس فرع المعلومات مهددون. وليد جنبلاط خفف من تنقلاته ويكاد يلازم المختارة. سعد الحريري مهاجر حتى إشعار آخر تجنباً لأي مجازفة. سمير جعجع لا يغادر قلعة معراب إلا نادراً منذ حادثة "الرصاصة والزهرة". الرئيس فؤاد السنيورة يتلقى تحذيرات متواصلة بوجوب اتخاذ الحيطة والحذر. بطرس حرب نجا من "كمين المصعد". سامي الجميل أنقذه فرع المعلومات من اعتداء. أنطوان زهرا مهجر الى معراب.
وحتى الشخصيات الروحية لم تجد بداً من ان تسلم أمرها لله، بعدما تبلغت انها، أيضاً، في دائرة الاستهداف.
وإذا كانت هوية الجهة التي تهدد حياة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله واضحة، ولا تخفي نفسها أصلاً، فإن المفارقة في المشهد الأمني المتصدع، أن معظم الشخصيات الأخرى تبدو مستهدفة من "مجهولين"، او "قاتلين محتملين".
وفي ظل غياب اليقين، يُفتح الباب على الشكوك والفرضيات، الى حد ان المهددين بالاغتيال صاروا يتقاذفون الاتهامات المتبادلة، حول التجييش والتحريض والتخطيط والتنفيذ.
ومن الغرائب اللبنانية في هذا المجال، ان كل فريق لا يصدق سوى محاولات الاغتيال التي تستهدفه، بينما يشكك في مصداقية ما يعلنه الفريق الآخر عن استهداف له، وفي الحالتين، يمكن القول إنه إذا كانت الروايات حول محاولات الاغتيال، على الضفتين، صحيحة، فهذه مصيبة، لأنها تعكس حجم الانكشاف في الوضع الداخلي، وإذا لم تكن صحيحة فالمصيبة أكبر، لأن اللبنانيين يكونون أمام خفة غير مسبوقة في سلوك المتعاطين بالشأن العام.
أما في الشارع، فإن الصورة لا تقل مأساوية.
ما ان تُكشف عملية خطف، أو سرقة، حتى تقع أخرى، كما حصل مع اختطاف المواطن محمد باسل الميس، أمس الاول، بعد ساعات قليلة من تحرير مخطوفين سابقين، وتوقيف مطلوبين من طراز "عنتر الضاحية" وصقور آل المقداد، وكأن هناك حلقة مفقودة لا تزال خارج السيطرة. تارة يفلت الأمن، وتدب الفوضى، بما يؤشر الى ان البلد سائب والأجهزة غائبة، وطوراً تحصل صحوة أمنية تُكشف معها الألغاز وتتهاوى الرؤوس المطلوبة.. فأين يكمن السر في المرتين؟ وما هي المعايير التي تتحكم بالمد والجزر في "موج" الوضع الأمني؟ ولماذا تغفو الدولة حيناً، وتستيقظ حيناً آخر؟ وماذا يمنعها من فرض هيبتها 24ساعة على 24، ما دام قد ثبت انها قادرة على الحزم إذا أرادت؟
وبانتظار ان تأتي الأجوبة الشافية، بات كل مواطن يملك رصيداً في المصرف، او سيارة حديثة الطراز، يحسب ألف حساب، قبل ان يغادر منزله، في بعض المناطق التي تزدهر فيها عمليات الخطف، حتى أصبح المواطنون يلجأون أيضاً الى استخدام فنون التمويه والمناورة في تحركاتهم، وربما يضطر بعضهم لاحقاً الى تسيير أكثر من موكب، للانتقال من منطقة الى أخرى!
والطامة الكبرى وسط كل هذه التحديات، ان الحكومة الحالية، التي يُفترض ان تتحمل المسؤولية الدستورية والمعنوية عما يحدث، هي خارج المساءلة والمحاسبة حتى إشعار آخر، لأنه لا بديل عنها سوى الفراغ، بحيث انحصرت خيارات اللبنانيين في الانتقاء بين السيئ.. والأسوأ. 
 

السابق
اللواء: محاولة إغتيال عون: روايات مُلتبسة عن الحادث والمكان والزمان
التالي
النهار: اطلاق منصور بعد دفع 600 ألف دولار والقمة الروحية تُطلق اليوم نداء للوضع المعيشي