عن صيدا العاقلة دوماً

سارع النائب نبيل نقولا الى اتهام تيار المستقبل واعوانه في التورط بمحاولة اغتيال النائب العماد ميشال عون مساء السبت خلال مرور موكب وهمي للعماد عون على الاوتستراد الشرقي في المدينة.
لم يلق الاتهام صدى في مدينة صيدا، فيما كان وزير الداخلية مروان شربل يؤكد صباح امس الواقعة. حيث كان الشيخ احمد الاسير يقيم اعتصامه الشهير. من خلال مروحة اتصالات مع جهات مختلفة في المدينة، ثمة استغراب والبعض يميل الى عدم التصديق، اذ لم يسمع في محيط المكان، الذي يعتقد انه تم اطلاق النار منه، اي اطلاق نار. والاجهزة الامنية باشراف المدعي العام في صيدا لم ترصد، من خلال عمليات المسح التي اجريت امس بطلب من وزير الداخلية، اي اثر يدلل على اطلاق النار.

قبل اتهام النائب نقولا لتيار المستقبل، كان الأخير وجهة الاتهامات من القريبين من التيار الوطني الحر. فبعد الاعلان عن الحادثة افاد مكتبه الاعلامي ان احد مواكبه "تعرض لاطلاق نار لدى عودته من جزين قرب جامع بهاء الدين الحريري واصابته رصاصة في المقعد الخلفي من دون وقوع اي اصابات". في حين اكدت القوى الأمنية انها لم ترصد اي اطلاق نار في صيدا.

الشكوك بدأت تتركز على الجماعات الاسلامية المتنامية في المدينة، خصوصا ان العماد عون قال كلاما قاسيا ضد الربيع العربي الذي وصفه بـ"الجحيم"، محذرا من "ظاهرة الحركات الاسلامية السلفية السنية"، في احد لقاءاته الجزينية، كما نقل صحافيون رافقوه في جولته.

المناخ الذي شاع في المدينة امس: لم يسارع حتى المنضوون في الحلف السياسي العريض مع العماد عون وحزب الله، من السياسيين ورجال الدين، الى اصدار اي مواقف اتجاهه. هذا رغم الإعلان عن الحادثة من قبل العماد عون نفسه. نسجل استثناء واحدا هو اتصال اجراه الدكتور عبد الرحمن البزري مع عون امس مطمئنا على صحته. علما انه، في المحيط الذي قيل انه تم اطلاق النار منه، إكتشف قبل نحو اربع سنوات مجموعة من القذائف غير المعدة للتفجير خلال قيام العماد عون بزيارة الى النائب السابق اسامة سعد في صيدا.
اما الابعاد التي يمكن تلمسها من خلال هذه الرسالة، أيّا كانت الجهة التي اطلقتها، أيضا سواء كانت محاولة اغتيال فعلا ام لا، ذلك ان صيدا ومحيطها لم تزل عصيّة على كل محاولات الفتنة التي حاصرتها وتحاصرها مجددا من جهات مختلفة.

ولأن المدينة تنتمي الى حيّز اقتصادي وتجاري، ولكونها مدينة تتنفس من رئة محيطها الجزيني والجنوبي واقليم الخروب، نجحت في تجاوز الكثير من الفتن التي طحنت اجتماعيا امكنة اخرى، وبقيت صيدا محصنة الى حد كبير. فصيدا كنموذج لبناني نجحت كونها لم تتوسل قواها السياسية لعبة السلاح. وهذا بسبب إدراك عميق، حتى من الذي حاول توسل السلاح حينا، ان المدينة ستلفظه او ستجعله ظاهرة نافرة ومنبوذة. لذلك تبقى بين قلة من المدن متقدمة في المحافظة على تنوعها الطائفي والمذهبي والسياسي، الذي يعبّر عن نفسه من دون تردد او قلق او خوف. وثمة محاولة مستمرة لزجّها من خلال ما احاط بموكب العماد عون.
السلمية التي طالما رفعها الشيخ احمد الاسير شعارا وهو يطلق اشد المواقف ضد حزب الله او سواه، هي ما جذبت تعاطفا لافتا من ابناء المدينة، وليس إيحاؤه بالقوّة. كما كان سلاح سواه في مخيم عين الحلوة نابذا له من قبل ابناء المدينة. السلاح هو المعيار في المدينة لاعلاء طرف ونبذ آخر. هذا ما تشير اليه الوقائع منذ بدء الحرب. إذ اإنّ هذه المدينة قد تكون الوحيدة في لبنان التي لم تشهد اقتتالا داخليا بين تياراتها على اختلافها، وان كانت تعرضت إلى ضربتين عسكريتين من قبل الجيش السوري في العام 1976 واخرى أشدّ اثناء الاجتياح الاسرائيلي في العام 1982 باعتبارها اكثر مدينة لبنانية صمدت في وجه الاحتلال في ذلك الحين ونالها دمار هائل بسبب هذا الصمود.

لقائل ان يقول: صيدا تصطف مذهبيا، ولكن لخبير مثلي بها اقول: شُبّه لك ما حصل في الاشهر الماضية كان رد فعل طبيعياً على محاولات القبض على المدينة وتطويعها من خارجها بسطوة السلاح. وكل ما قامت به تعديل بسيط فتح المدينة أمام الجميع بدون سلاح ولا استعلاء.
ردود الفعل الصيداوية العاقلة والهادئة، من الأطراف كلّها، على حادثة اطلاق النار او محاولة الاغتيال، دليل على قرار صيداويّ عميق، هو عدم الانجرار الى حيث يحب البعض ان تُجَرَّ صيدا ومحيطها… الى الفتنة. صيدا يعتدى عليها ولم تعتد هكذا يقول الشهداء رياض الصلح ومعروف سعد ورفيق الحريري.

 

السابق
  بشّار الاسد يعيش في الخيال : أحتاج الى وقت للنصر في الحرب.
التالي
التصعيد الإقليمي وأزمة سورية؟