كادت طاولة الحوار أن تكون الأخيرة… لولا ورقة سليمان

لن تكون جلسة الحوار الرابعة عشرة، التي عقدت أمس الأول، كما الجلسات التي سبقتها، بعدما خرجت عن روتينها. فجاءت ورقة رئيس الجمهورية في شأن الإستراتيجية الدفاعية لتفتح آفاقاً جديدة ومجدية للحوار، إلى حين توافر الظروف التي يمكن من خلالها رسم النهايات المحتومة لأيّ سلاح غير شرعي. فكيف تمّ التوصّل إلى هذه المعادلة؟

فرضت الورقة التي قدّمها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عن تصوّره للاستراتيجية الدفاعية، على جميع من يحتلّ كرسياً على الطاولة، أن يبحث عن مقاربة جديدة لموضوع السلاح غير الشرعي تحت سقف الدستور والقانون، بدءاً من جلسة 12 تشرين الثاني المقبل. ويعترف أحد أقطاب الحوار بأنّ رئيس الجمهورية أعطى بورقته هذه دفعاً جديداً لمستقبل الحوار في لبنان، وهدفاً منطقياً يمكن أن يقود إلى صيغة توفّر إنهاء استغلال السلاح غير الشرعي في اللعبة الداخلية اللبنانية.

فرئيس الجمهورية اختار التوقيت الصحيح للإدلاء بدَلوه، فجاءت المناسبة أمس الأول في سياق حركة تحررية يمكن أن تقود لبنان إلى مرحلة جديدة تطرح فيها مثل هذه الملفات الخلافية، سَعياً إلى توفير النهايات الحتمية لها في افضل الظروف وأخفّها ثقلاً وكلفة.

ويضيف هذا القطب: "كانت كل الظروف مهيّأة للبحث في اقتراح وسطي لمصير هذا السلاح، يقارب البحث عن صيغة متوازنة، تبحث عن خيار ثالث يحاول شقّ طريقه بين خيارين متوازيين لا يلتقيان بسهولة، طالما أنّ كلاً منهما يسعى إلى هدف هو نقيض للآخر.

فمعلوم، أن هناك فريقاً يسعى إلى أن تُكرّس هذه الطاولة هذا السلاح مرجعية وآلية حكم، على المستويات كلها، ولَو تمّ ذلك على حساب الدولة ومؤسساتها، بعدما اجتاح واستباح هيبتها وتجاوز قدراتها، وتحوّل وسيلة لحل المشاكل الداخلية وفرض وجهات نظر متكاملة تغلّب نظرة فريق على آخر، من دون أيّ رادع، وتحت شعارات تحتكرها قيادته وتحجبها عن الآخرين متى شاءت، أو قيادة المؤسسات في اتجاهات محددة غريبة عن أطوار اللبنانيين ولا تخدم مصالحهم، وإن لم تؤذ أيّاً منهم حتى اليوم، فإنها على الأقل ما زالت مدار جدل حول جدواها، علماً أنها لا تحظى بالإجماع الوطني.

وفي المقابل، هناك فريق آخر يحمّل هذا السلاح مسؤولية إنتاج مسلسل الأزمات في البلاد، وهو يضعه كل يوم في عين العاصفة الإقليمية التي تضرب المنطقة، ويزجّ به في حرب المحاور التي لا يمكن لها أن تستوعب تردّداته السلبية المحتملة، ومنها ارتباطه المتين بعوامل خارجية وإقليمية ترفع من نسبة انزلاق البلاد إلى أتون الصراع الإقليمي بعيداً من مقتضيات سياسة النأي بالنفس التي يعوّل عليها البعض في اجتياز البلاد، وتحييدها عمّا تشهده المنطقة من خَضّات بأقلّ الخسائر الممكنة.

وعليه، وما بين هذين الخيارين، ألقى رئيس الجمهورية بورقته في بؤرة الحوار الراكدة، فجعل من تردداتها وسيلة لمقاربة الملف من زوايا دستورية وقانونية، لم تقاربها الأوراق الأخرى، فكانت إشارته واضحة إلى مرجعية الدولة الدستورية في الشؤون الأمنية والسياسية والعسكرية، وفي إدارة الملفات التي تقود الى السلم والحرب، وحصرية امتلاكها للقوة باعتبار انّ المقاومة لا تقوم جنباً الى جنب مع الدولة أو مع مؤسساتها الدستورية.

وبالتالي، لا يمكن ان يكون لها أي دور متى انتهى الاحتلال، وتحوّل الأمر خلافاً حدودياً يمكن تجاوزه وإنهاؤه بوسائل عدة، في مرحلة أريد لها أن تكون انتقالية شبيهة بما يشهده الجنوب من هدوء لم يَعشه منذ قيام إسرائيل، وبات منطقة آمنة كرّسها القرار 1701 في ظل تعهد لبناني وإسرائيلي مُلزم لتوفير مقوّمات إنجاح كل الخطوات الآيلة الى تنفيذ كل ما ورد في هذا القرار، بما فيها تلك المعادلة التي تنهي وجود أي سلاح غير شرعي.

على هذه الأسس، أصرّ رئيس الجمهورية على طرح استراتيجيته الدفاعية، في سياق تطور كبير يطاول نهج الحكم في الفترة الأخيرة نحو المزيد من الاستقلالية والابتعاد بالبلاد من أتون تطورات المنطقة الدموية، وفي إطار السعي الى تقوية المؤسسات العسكرية على عتبة ساعات قليلة من إقرار خطة خمسية لتجهيز الجيش وتعزيز قدراته، أُقِرَّت قبل يوم واحد على الكشف عن هذه الورقة.

ربما هناك من يقول انّ في كل هذا النقاش الدائر مضيعة للوقت، او ما يشبه طبخة بحص لن تنتهي، ما لم يقدّر لها ذلك بقرار إقليمي ودولي كبير لم يَحِن أوانه بعد. لكن الإصرار على استمرار طاولة الحوار بين اللبنانيين، يؤدي الى احتمال نجاح اللبنانيين في اقتناص الفرصة الممكنة للحل، فتكون البلاد على استعداد لولوج هذه الفرصة.

ولذلك، هناك من يقول جازماً إنّ ما جرى بالأمس قد شكّل ضربة معلم، فلو لم يقدّم رئيس الجمهورية ورقته لكانت طاولة الحوار في مهب رياح الأوراق والمذكرات والمشاريع المتناقضة، ومعها قد لا تتكرر الصورة الجامعة مرة أخرى، في ظلّ الرهان على التقلبات الإقليمية من موقعين مختلفين تماماً.  

السابق
المرشّح أوباما تقلقه إيران وإسرائيل فقط
التالي
الربيع العربي وتداعياته