حزب الله «إرهابي» فما جدوى المحكــمة الدولية؟

ان تصنيف مجلس الامن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ارهابية يعني تلقائياً ان مرتكبها ارهابي. أما تصنيف حزب الله ارهابياً فيعني تلقائياً أن المنتسبين اليه يرتكبون جرائم ارهابية. وبالتالي حكم المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري صدر بحق مصطفى بدر الدين قبل صدوره فعلياً

سارعت واشنطن أول من أمس الى اصدار رخصة تتيح للمحامي جون جونز المكلف الدفاع عن مصطفى بدر الدين في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعدما كانت قد أصدرت قرارا بمعاقبة كلّ من يمكن أن يأتي بأي منفعة لبدر الدين بما في ذلك تبرئته من جريمة اغتيال الحريري. ماذا يعني ذلك؟ لا يمكن معاقبة شخص والسماح بالدفاع عنه بنفس الوقت حيث ان الدفاع يستدعي احترام قرينة البراءة، فكيف يعاقب الشخص بينما قد يثبت الدفاع لاحقاً براءته أمام المحكمة؟

أصدرت واشنطن أخيراً قراراً بمعاقبة بدر الدين لتسارع بعد ذلك الى منح فرصة لتبرئته أمام محكمة دولية. اذ يبدو أن المسؤولين الاميركيين لن يسمحوا على الاطلاق بنجاح الدفاع عن بدر الدين في تبرئته حتى لو استدعى ذلك تدخلات دولية من نوع آخر كلّما تبين انه يقترب من تحقيق ذلك. ويبقى تصنيف بدر الدين ارهابياً قائماً لدى الاميركيين وهم يتصرفون على أساس علمهم المسبق بأن المحكمة الدولية في لاهاي ستجرّمه باغتيال الحريري وبالتالي لا يجدون حرجاً في السماح لمحام أميركي بالدفاع عنه، على الرغم من تناقض ذلك مع اساس العقوبات التي فرضوها عليه والتي شملت كذلك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والقيادي في الحزب طلال حمية.
وافقت واشنطن خلال مدة زمنية قياسية لم تتجاوز ساعات قليلة على فرض استثناء على القاعدة التي وضعتها بعد مناشدة رئيس المحكمة الدولية القاضي دايف باراغوانث واشنطن بعدم ملاحقة جونز لدفاعه عن بدر الدين قضائياً. أما الناطق باسم المحكمة الدولية فقال أمس إن «اعتبار أميركا مصطفى بدر الدين ارهابيا لا يؤثر على المحاكمات أمام المحكمة، وبالتالي لا علاقة لقولهم بهذه المحاكمات. فهو بالنسبة الى المحكمة أحد المتهمين الأربعة في حادث 14 شباط 2005 وقضاة المحكمة سينظرون في الادلة الواردة في ملف هذا الحادث فقط». لكن اضافة الى تجاهله حجم نفوذ «الحرب على الارهاب» على جميع المؤسسات الدولية وبمختلف الوسائل، تناسى يوسف ان تصنيف الحزب ارهابياً واعتبار بدر الدين ضالعاً في الارهاب جاء في نصّ قرار الاتهام الصادر عن المدعي العام في المحكمة الدولية التي يتحدث باسمها. حيث جاء حرفياً في الفقرة 59 منه «تورط الجناح العسكري لحزب الله في عمليات إرهابية. والأشخاص الذين درّبهم الجناح العسكري لديهم القدرة على تنفيذ اعتداء إرهابي بغض النظر عما إذا كان هذا الاعتداء لحسابه أو لا. تربط صلات قربى بالزواج بين بدر الدين وعياش وتشمل هذه الصلات بالمصاهرة المدعو عماد مغنية. وعماد مغنية كان عضوا مؤسسا لحزب الله ومسؤولاً عن جناحه العسكري من العام 1983 حتى اغتياله في دمشق في 12 شباط 2008 وكان مطلوبا على المستوى الدولي بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية». ويتابع نصّ قرار الاتهام بالقول انه «استنادا إلى خبرتهما وتدريبهما وانتسابهما إلى حزب الله، فإن من المعقول الاستنتاج أنه كان لدى بدر الدين وعياش القدرة على تنفيذ اعتداء 14 شباط/فبراير 2005». ويذكر أن قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين صدّق على هذا القرار في حزيران 2011 وبالتالي فلا شكّ في أن ما تضمّنه، وعلى عكس ما ورد على لسان يوسف، «يؤثر على المحاكمات أمام المحكمة».
يوسف وغيره من المروجين لآليات «العدالة» الدولية التي أنشأها مجلس الامن الدولي في اطار «لعبة الامم» تجاهل كذلك وقع الاعلام الدولي على قضاة المحكمة الدولية. فلا شكّ أن هؤلاء القضاة من متابعي وسائل الاعلام الدولية التي تكرّس تصنيف حزب الله ارهابياً خصوصاً بعد انطلاق الاحداث في سوريا.
وقبل الانتقال الى النظر في تأثير الاعلام الدولي على أحكام القضاة، لا بد من الاشارة الى مناشدة أطلقها وزير خارجية الدولة التي تقع المحكمة الدولية على أراضيها (هولندا)، اوري روزنتال، في اليوم الخامس من الشهر الجاري باضافة حزب الله إلى لائحة المنظمات الارهابية في اوروبا. هولندا هي الدولة الاوروبية الوحيدة التي تصنّف الحزب ارهابياً وجاءت مناشدة روزنتال خلال مؤتمر لمركز المعلومات والتوثيق عن اسرائيل في امستردام. قال الوزير الهولندي: «ناشدت هولندا الاتحاد الاوروبي مجددا إدراج حزب الله على لائحة المنظمات الارهابية»، مضيفاً في تعليق عن الاحداث الدموية في سوريا «انتم تشاهدون ماذا يحصل عندما يسمح لهذه المنظمة أن تعمل بحرية».
أحكام التلفزيون
الباحثون كلير ليم (من جامعة ستانفورد) وجايمز سنايدر (جامعة ام آي تي) ودايفد ستومبرغ (جامعة ستوكهولم) وضعوا في تموز 2010 دراسة بعنوان «قياس تأثيرات الاعلام على المحاكم الأميركية» تضمنت اشارات يمكن أن يستفيد منها كلّ من يرغب في تفسير قرارات القضاة وأحكامهم. وخلصت الدراسة الى ان التغطية الاعلامية لما يتعلق بالجرائم التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة تؤثر على الاحكام التي تصدر عن القضاة. وتبين للباحثين ان هذا التأثير يظهر بوضوح في حالات الجرائم التي يتخللها عنف أكثر من الجرائم التي تخلو منه، وان القضاة المنتخبين لمدة محددة يتأثرون بالاعلام أكثر من القضاة الثابتين (الدائمين).
إن اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يضم جرائم عنيفة أدت الى ردود فعل دولية واقليمية ومحلية صاخبة وتعميم واسع النطاق لاحكام مسبقة بحقّ حزب الله. أما القضاة فيها فعيّنهم الامين العام للامم المتحدة الذي يعدّ قانونياً سلطة سياسية تنفيذية، لمدة محددة حيث ان المحكمة الدولية هي محكمة استثنائية وليست محكمة دائمة. معظم القضاة في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحوّلوا بعد تعيينهم من قضاة محليين الى قضاة دوليين هي مرتبة أعلى تتميز برواتب أكبر وببريستيج خاص على مستوى العالم وتسهيلات استثنائية. وبالتالي لا يستغرب أن يكون لدى معظم هؤلاء القضاة رغبة بأن يعاد تعيينهم في محاكم دولية أخرى بعد انتهاء مدة وظيفتهم الحالية.
ان القوى الدولية التي تتمتع بنفوذ كبير لدى الأمين العام للأمم المتحدة والتي تتحكم بمجلس الامن الدولي الذي أنشأ المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري أصدرت حكمها بحق حزب الله «الارهابي» فهل يمكن ان يصدر عن القضاة حكم يتناقض مع حكمها؟ ينفي المنطق والعلم والتاريخ والوقائع المستجدة هذا الاحتمال. أما مارتن يوسف فيلبي متطلبات وظيفته حتى ولو بدت تصريحاته ساذجة الى أبعد الحدود.  

السابق
الربيع العربي وتداعياته
التالي
«الطغاة الجدد» يهددون ثورات التغيير