الربيع العربي وتداعياته

على مدى أربعة أيام، وبمشاركة عشرين باحثاً وباحثة، وجرياً على عادته في مواكبة المحطات المهمة لمسيرة الامة العربية "ليتابعها بالرصد، والتحليل، والاستشراف والموقف القومي العربي الرشيد"، نظم مركز دراسات الوحدة العربية، في تونس، ندوة تحت عنوان "الثورة العربية والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي نحو خريطة طريق" تضمنت اقسام وفصول الكتاب الذي تضمن وقائع الندوة مواضيع متنوعة اهمها: دراسة مقارنة الثورات العربية مع تلك التي حدثت في بلدان أخرى، إن في شرق وجنوب اوروبا على أثر انهيار القطب الدولي الثاني – الاتحاد السوفياتي -، وإن في بعض بلدان اميركا اللاتينية؛ والديناميات والقوى القائمة بالثورة وتداعيات ذلك في دول الجوار والإقليم؛ ودور المؤسسة العسكرية وأثر الاعلام ووسائل الاتصالات..؛ ودراسة حالات هذه الثورة في كل من تونس ومصر وليبيا حيث استقرت الاوضاع فيها، الى حد بعيد، وابتدأ تشكيل اسس الدولة الحديثة والنظام السياسي الجديد، والدول التي لم تنته فيها الثورة كسوريا وتأثيرها على الاصعدة الداخلية والإقليمية والدولية..وتضمن،ايضاً، فصلاً عنوانه: مستقبل النظام العربي والمواقف الإقليمية والدولية من الثورة.
إنطلاقاً من تنوع هذه الابحاث جرى توزيعها الى: فئتين، الاولى تحليلية لما جرى…، والثانية تناولت تجارب التغيير في البلدان العربية… تجاوباً مع هذه المعطيات سنستعرض بالتفصيل احد العناوين الرئيسية للندوة، الذي يتناول "مستقبل النظام العربي والمواقف الإقليمية والدولية من الثورة" للباحث الرئيسي "بول سالم". يرى الباحث ان الاحداث التي عصفت، وما تزال، بالكثير من الدول العربية. تٌعتبر "أضخم تحول في الحياة السياسية العربية منذ عقود ". وقد تضمنت، هذه الاحداث عناصر رئيسة اهمها: ان اجندتها وطنية ركزت على قضيتين: التحرر والاصلاحات الداخلية على مستويات مختلفة للنظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي؛ وبما ان هذه الانظمة لجأت الى انتخابات ديمقراطية جاءت بحكومات منتخبة من الشعب، فهي بمنأى عن الضغوطات الخارجية القوية، بل تتعرض لضغوطات شعبية تُترجم احتجاجات جماهيرية ومظاهرات متنوعة؛ ثاني هذه العناصر ان العلاقات الاقليمية والدولية لم تعرف انقلاباً حاداً مقارنة بما كان يحدث إبان الحرب الباردة والصراع السوفياتيالشرقي والاميركي الغربي، وهكذا يُضيف الباحث ان الانظمة الجديدة تستطيع ان تلعب ادواراً مختلفة، لكن من داخل النظام الآحادي القطبية، علماً ان بعض الانظمة القائمة خرجت من هذا النظام مثل كوريا الشمالية، والى حد ما إيران؛ ثالث هذه العناصر" تعزيز النفوذ العربي "، اذ ان الثورات العربية جسدت نقطة مكتسبة لنفوذ العالم العربي، مقابل خسارة تامة للنفوذ الخارجي. استناداً الى ذلك، كان على الحكام العرب الجدد الإنصياع، الى حد ما، ومن ثم بشكل متزايد لرغبات شعوبهم التي اوصلتهم الى السلطة والحرص على المصالح المشروعة لهذه الشعوب، مع تسجيل تقلص الإنصياع للأوامر والمناورات الخارجية؛ رابع هذه العناصر انتقال عملية صنع القرار من الخارج الى الداخل. فمما لا شك فيه ان السياسات الخارجية لأكثرية الانظمة العربية كانت تُرسم إما من الرئيس او الملك بمساعدة المستشارين. اما الرأي العام فكان مهمشاً ولا دخل له في هذا الشأن. لكن، وبعد انتقال السلطة والاخذ بالمبدأ الديمقراطي، اصبحت السياسات الخارجية تخضع للتفاوض الداخلي والنقاش الحر الصريح ولا تُقر الا اذا كانت تُقدم المصلحة الوطنية على المصالح الخارجية، والطريقة نفسها اتبعها الحكام الجدد على اقرار السياسات الاقتصادية والاجتماعية… آخر هذه العناصر التي يذكرها الباحث في ورقته هو صعود التيارات الاسلامية، وخصوصاً المعتدلة منها. يتركز العرض على حركة الاخوان المسلمين، الحركة الاقوى والابرز في التيارات الاسلامية التي ظهرت الى العلن بنشاطها السياسي. يعتبر الباحث ان حركة الاخوان المسلمين لعبت دوراً مهماً في الثورات العربية من حيث المشاركة وليس من حيث المبادرة. من ميزات السياسة التي اتبعتها هذه الحركة انها لم تحمل اجندة خارجية متشددة، ولا تتطلع الى إيران او القاعدة كمصدري الهام او دعم لنشاطها المتنوع، انما تميل الى تركيا حيث حزب العدالة والتنمية المعتدل، وايضاً تتطلع نحو نماذج اسلامية ناجحة في ماليزيا اواندونيسيا وتعتبرها من مصادر الهامها، وتميل ايضاً الى مجلس التعاون الخليجي كمصدر للدعم السياسي الاقتصادي. ثم ان الحركة، حسب ما يقررالباحث. تصالحت مع الديمقراطية وتبنتها كبرنامج سياسي رئيسي في اجندتها، لكن ما زالت هناك قضايا عديدة لم تتخذ تجاهها مواقف واضحة مثل علاقة الدين بالدولة، وحرية ومساواة المرأة وموقع الاقليات في النظام السياسي الجديد. وعلى صعيد السياسة الخارجية تغلب البراغماتية على مواقفها.
بعد هذا العرض المفصل للأحداث التي شكلت عناصر رئيسية ومهمة في الثورات العربية، ينتقل الباحث الى الحديث عن تأثيرات "الربيع العربي" في اللاعبين الرئيسين في المنطقة، ويُمهد لذلك بإستعراض الوضع السياسي العام الذي كان سائداً على الساحة العربية قبل حصول الثورات العربية على اثر الانسحاب الاميركي من العراق والتحالفات الجديدة التي نشأت فيشير الى ان إيران برزت كلاعب اساسي على الساحة الاقليمية وركزت تحالفها مع النظام في سوريا ومع بعض المنظمات المقاومة، واطمأنت إسرائيل لعلاقاتها مع بعض الدول العربية كمصر والاردن، وتمتع الاتحاد الاوروبي بجيرة جنوبية مستقرة وضمنت الصين والهند التدفق الآمن للنفط والغاز وركزت روسيا مواقعها في المنطقة، لكن توجهها المفضل كان نحو بلدان آسيا الوسطى. في هذا المناخ حدث "الربيع العربي" فتم تغيير عدد من الانظمة العربية التي بدت انها متماسكة انما شكلياً فكيف أثر ما حدث على اللاعبين الدوليين الرئيسيين في المنطقة ؟ في طليعة هؤلاء تأتي الولايات المتحدة التي تفاجأت بـ"الربيع العربي" في بداية الحدث، واعتبرته شبيهاً لما حدث في إيران عام 1979، لكن مع تطور الاحداث ما لبثت ان غيرت رأيها وتدرج موقفها من النقد البسيط للأنظمة القائمة الى دعوة حكام هذه الانظمة للتخلي عن السلطة ليتسلم القادة الجدد زمام الامور. انما الملفت ان مصالح هذه الدولة لم تتأثر وبقيت محافظة على النفوذ والهيمنة حتى لدى الحكام الجدد، وركزت ديبلوماسيتها على عدم تأثير الاحداث على مصالح إسرائيل الحليف المفضل في المنطقة وخصوصاً المعاهدات والاتفاقات التي كانت الدولة العبرية قد عقدتها مع الدول المجاورة؛ وبالنسبة لدول الاتحاد الاوروبي فإنها التحقت بمواقف الحليف الاميركي، في حين ان روسيا والصين عارضتا الربيع العربي فخسرتا نفوذهما في الشارع العربي المؤيد بحزم للثورات العربية. اما عن تأثيرات الربيع العربي في الدول النافذة في المنطقة فيرى الباحث ان إسرائيل وإيران خسرتا بحدوث الانتفاضات العربية، ومن الطبيعي ان تكون الخسارة مختلفة مع اختلاف مصالح كل منهما، فخسرت إيران القوة الناعمة اي الشعبية والنفوذ، وخسرت إسرائيل العلاقات الجيدة وخصوصاً مع مصر حيث اخذ الحكام في هذا البلد يتحددثون عن ضرورة إعادة النظر في العديد من بنود معاهدة السلام وايضاً إتفاقيات الغاز المصرية الإسرائيلية. اما تركيا التي كان موقفها، في البداية متأرجحاً وحذراً وغامضاً نظراً لمصالحها الاقتصادية مع بعض المدن المعنية، عادت واتخذت موقفاً مؤيداً واصبحت من اللاعبين الرئيسيين ومحوراً مهماً في عملية انجاح الانتفاضات العربية. شعرت المملكة العربية السعودية بالقلق مما يحدث، في البداية، لكنها ما لبثت ان انضمت للمؤيدين مقدمة الدعم السياسي والمالي لبعض دول الانتفاضات، مع الاشارة الى انها من الناصحين لتغيير النظام في سوريا كي يتخلص الشعب السوري من الحرب الاهلية التي لا تستثني احداً، اما قطر الدولة الصغيرة استطاعت ان تتحرك بسرعة بإتجاه دعم الانتفاضات العربية وتعاونت مع الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي كي تقوم هاتان المؤسستان بدور ناشط تجاه الشعب العربي حيث لم تنته الثورة.

  

السابق
كادت طاولة الحوار أن تكون الأخيرة… لولا ورقة سليمان
التالي
حزب الله «إرهابي» فما جدوى المحكــمة الدولية؟