فيلم الإساءة للنبي محمد: عدوان أميركي كيف يُردّ عليه؟

بذريعة ممارسة حق التعبير، قامت ثلة من منتحلي الفن، وبموافقة وحماية أميركية، بإنتاج فيلم سينمائي لمدة ساعتين، اختلقوا فيه سلوكيات نسبوها للرسول محمد (ص)، وطبعاً يسهل حتى على العاديين من الناس أن يكتشفوا زيفها وأن يكتشفوا بأن التذرع بحرية التعبير هو أكذوبة وذريعة واهية لا يمكن أن تقنعا عاقلاً. وهنا يكون ملحاً طرح التساؤل حول الأهداف الحقيقية للإنتاج الفني السيئ والحماية الممنوحة له والرد الملائم.
وننطلق من الذريعة ومن حرية التعبير ونرى أنه عندما أطلق الغرب ثورة الحريات في العصر الحديث وساهم في وضع شرعة لحقوق الإنسان وحقوق المواطن وأكد فيها جميعها على حق التعبير، فإنه حاذر أن تكون هذه الحرية أداة للإضرار بالآخرين، لذا وضع لها ضوابط في التشريع، والتزم الفقه والاجتهاد بعد ذلك قواعد صارمة لصيانة المكانة الاعتبارية للشخص – فرداً او جماعة – لمنع سوء ممارسة حرية التعبير، وقد وضعت قواعد المساءلة في حال كان خرق لهذه المبادئ على أساس المسؤوليتين المدنية والجزائية من أجل التعويض عن الضرر المعنوي المتمثل بالألم النفسي والمعاقبة على انتهاك الحرمات والإساءة الى المكانة والمعتقدات.
وقد رمت تشريعات الغرب بوجهيها المدني والجزائي هنا الى معالجة مفاعيل سوء الاستعمال أو التعسف في استعمال حق التعبير، كما رمت الى حماية الأفراد والجماعات في حقوقهم المعنوية وحفظ الأمن والسلام الاجتماعي ومنع عمليات الانتقام وردات الفعل غير المحسوبة، فكانت الدولة بما تملك من حق ارساء الامن وحفظه هي التي تتولى انصاف المعتدى عليه في مشاعره، فتأمر عبر قضائها بالتعويض عليه، وتأمر بوقف الإساءة ومفاعيلها، عبر اتخاذ التدابير الردعية الزاجرة إن اقتضى الامر.

وعملاً بروحية هذا الالتزام أصدرت تشريعات عدة عامة وخاصة كان أحدها ما سمي قوانين «منع العداء للسامية» التي يقصد منها تحديداً منع التعرض لليهود الذين يدعون بأنهم كانوا ضحية الكراهية الأوروبية، الكراهية التي أودت بحياة الكثير منهم، فجاءت تشريعات خاصة لتضع حداً لذلك، وتمنع سلوكيات النبذ والمقاطعة والعزل وحتى القتل. كما أن التشريعات في هذا المجال تطورت الى درجة حظر تناول معتقدات اليهود ليس الدينية فقط بل السياسية والاجتماعية، الى درجة اعتبر فيها أن مجرد التشكيك بوقوع ما يسميه الصهاينة «الهولوكوست» او المحرقة التي يقال إن هتلر نظمها لهم في ألمانيا، إن مجرد التشكيك فيها يعد جريمة يعاقب صاحبها بالحبس والتغريم بمبالغ باهظة. وتم التشدد في التطبيق حتى أن إحدى المحاكم الفرنسية قضت ومنذ خمسة عقود بتعويض لجمعية يهودية حكم به على جهة نسبت لليهود أفعالاً وشنعت عليهم بعض سلوكياتهم في الأكل والتعطيل يوم السبت، فكان مقدار التعويض يومها يمكن من شراء 5 كلغ من الذهب.

لقد أكد الغرب في كل مواقفه القانونية تشريعاً وفقها واجتهاداً (قوانين، مواقف علماء القانون، أحكام المحاكم) أن حرية التعبير ليست حرية مطلقة، فقيّدها بحق الآخر بالأمان في مشاعره وأحاسيسه ومعتقداته، وقد أسهب الغرب في هذا المضمار حتى رأينا أحكاما قضائية متقدمة وجريئة من قبيل التعويض على من نسب لجده المتوفى فعلاَ مشيناً ما تسبب بتأذي مشاعر الاحفاد، وبررت المحكمة حكمها بحرمة الإساءة الى الأموات ووجوب حماية مشاعر الأحياء.

وبعد هذا نطل على الفيلم السيئ الذكر والمضمون والشنيع الأهداف، ونرى أن إنتاجه لا يمكن أن يبرر بذريعة حرية التعبير، حتى وفقاً لما يلتزم به الغرب من مضمون لهذا الحق وانطلاقاً من الضوابط والحدود التي وضعها لممارسته. وهنا نذكر كيف أن الغرب نفسه الذي يتشدق بحرية التعبير كيف أنه منع ويستمر بمنع فضائيات عربية وإسلامية من البث عبر أقماره الصناعية، حتى انه بات يلاحق من يستمع اليها عبر مواقع الانترنت وذريعته انها: «تبث الكراهية « كما فعلت أوروبا الغربية وأميركا مع قناة المنار وسواها.

أ‌. لم يكن فيلم الإساءة للرسول محمد وانتهاك مشاعر المسلمين خاصة والمؤمنين بكل الأديان عامة، لم يكن إذن ممارسة لحرية التعبير وفقاً للقواعد والضوابط التي يعتمدها الغرب ذاته، بل كان استفزازا يراد منه تحقيق أهداف أخرى نرى أن الادارة الأميركية وراءها وبشكل اكيد، بعد ان اتضح أنها سمحت بالإنتاج وعرض المقتطفات وحمت المنتج وامتنعت عن وقف العرض. ونرى أن الفيلم يشكل أداة في لجوء أميركا الى استراتيجية القوة الناعمة، التي تقوم على تسفيه معتقدات الآخرين وتجويف شخصيتهم العقائدية، ثم دفع الناس للاقتتال والتدمير الذاتي ليسهل على أميركا السيطرة عليهم من غير جيوش أو نار تطلقها في جبهات جربتها أميركا وخسرت. وعليه نرى أن للفيلم أهدافا أساسية ترمي الى:

1) إسقاط القداسة عن الرسول محمد من أجل اسقاط الهالة المعنوية لرسالته، ودفع المؤمنين بها للابتعاد عنها أو على الأقل عدم العمل بالممارسات والسلوكيات التي تفرضها للحؤول دون تماسك الأمة وقوتها وصلابتها في الدفاع عن حقوقها. وهنا نتذكر ما قام به تشرشل وفي معرض حديثه عن الإنجاز الأوروبي في مطلع القرن العشرين إنجازهم بإسقاط دولة الخلافة الإسلامية، حيث قال: أبعدوهم عن القرآن ففيه مصدر قوتهم.
2) زرع الفتنة عامة في العالم الإسلامي، وخاصة في مصر بين المسلمين والأقباط المسيحيين، حيث أن منتجي الفيلم ومموّليه اظهروا بأنهم من جذور قبطية مصرية ويحملون الجنسية الأميركية. وبالتالي دفع مصر الى حرب أهلية لا تنتهي الا بتهجير الأقباط منها كما هجر المسيحيون من فلسطين والعراق، والآن يعمل على تهجيرهم من سورية عبر العدوان الإرهابي عليها.
3) دفع المسلمين الى تصرفات انتقامية غير منضبطة ضد الآخرين الأبرياء، وإظهار الإسلام بأنه دين غوغاء وهمجية ولا محل للمنطق والعقل والإنسانية فيه، وهذا ما يجعل الإسلام في عزلة يريدها الصهاينة والغرب.

ب‌. هذه هي بعض الأهداف الرئيسية من هذا الفيلم الشنيع. وهنا نسأل كيف يكون الرد الناجع والمفيد؟
إننا نرى الرد المناسب هو ما يكون على وجوه ثلاثة:

1) الاول سلبي وفيه الامتناع عن تحقيق أهداف الفيلم وتعطيل مفاعيله، عبر التزام قواعد الأخلاق والمنطق، وبالتالي لا يكون من الحكمة أبداً بأن يعتدى على بريء مهما كان معتقده وجنسيته حتى ولو كان يحمل الجنسية الأميركية أو كان يلتزم عقيدة غير إسلامية، فردات الفعل العشوائية والإجرامية تعتبر بذاتها تحقيقاً لأهداف الفيلم ذاك، كما أن اهتزاز الإيمان او الاعتقاد بالرسول والسعي لمشاهدة الفيلم يحقق بعضا من أغراضه.

2) وجه ثان عملي إيجابي عبر التحرك على الصعد التالية:
– على صعيد مجلس الأمن: وهنا نذكر بأن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة جاء بأحكام استثنائية تجاوزت سيادة الدول وأجازت التدخل بالقوة من أجل حماية الأمن والسلم العالميين، وأن الفيلم بما أحدثه من ردات فعل أدى الى زعزعة الأمن والسلم الدوليين بعد أن حرك مشاعر ربع سكان العالم (مليار وسبمعمئة مليون مسلم) وأخرج الناس الى الشارع في ردات فعل غاضبة أدت الى قتل البعض وتدمير وإحراق بعض المنشآت. وبالتالي فإن هذا الواقع يبرر قراراً من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يمنع عرض هذا الفيلم ويطلب من الحكومات ملاحقة من أنتجه كما يمنع إنتاج ما يشابهه مستقبلاً. وان ملاحقة هذا الامر لدى مجلس الأمن ليس حكراً على دولة إسلامية أو أخرى، بل إنه أمر يكون من صلاحية أي دولة تسعى للسلام والأمن الدوليين.
– على صعيد العمل القانوني الداخلي للدول، رغم أن تشريعات الغرب فيها من القواعد حالياً ما يحول دون إنتاج هذا الفيلم عملاً بضوابط حرية التعبير والتعسف في استعمال الحق، فإننا نرى أن الدول الإسلامية وعبر منظمة التعاون الإسلامي او سواها بإمكانها أن تضغط من أجل اصدار تشريعات خاصة تمنع مثل هذا الانتهاك وتجرّم مرتكبيه.
– على الصعيد القضائي: ان تشريعات الغرب بما فيها أميركا تجيزللمتضررين من هذا الفيلم أن يطالبوا عبر المحاكم الأميركية وتأسيساً على «الضرر المعنوي» الذي أصابهم في مشاعرهم، ودفعاً للأخطار التي تهدد الأمن الاجتماعي في أكثر من مكان، لهم أن يطلبوا وبدعاوى قضائية، وقف الفيلم ومصادرته، والتعويض عليهم بسبب ما أصابهم من ضرر معنوي، ثم يكون لهم أن يستعملوا التعويض المحصل هذا، وينفقوه في وجوه تعاكس أهداف الفيلم ذاته.

3) وجه ثالث جماهيري حيث يكون فيه للتظاهر السلمي والضغط الميداني في الشارع وظيفته من أجل الوصول الى هذه الانجازات، ولا ننسى أن لمقاطعة الاقتصاد الأميركي بشكل مؤثر دور في ردع أميركا، وهذا لا ينتظر قراراً من أحد فكل فرد قادر على ممارسته.  

السابق
هذه حقيقة الولايات المتحدة..
التالي
لماذا يزيد وزن المرأة بعد الزواج؟