الأسبوع الأخير للخطف

منتصف آذار الفائت، تمكنت استخبارات الجيش وفوج المجوقل من توقيف المدعو محمد فياض إسماعيل في بلدة القصر الحدودية في البقاع الشمالي. أوقف المذكور بعد أن «ذاع صيته»، على أنه أخطر المطلوبين في عمليات الخطف في مقابل فدية، وأنه المسؤول عن أغلبها. من تلك العمليات خطف عضو مجلس إدارة معمل «ليبان ليه» أحمد زيدان. حينها، رغم عمليات التفتيش والدهم، عجزت الأجهزة الأمنية عن تحديد مكان خاطفيه وتحريره، ليأتي الفرج على يد رئيس المجلس النيابي نبيه بري وابن بلدة بريتال القيادي في حركة «أمل» بسام طليس. يومها ساد اعتقاد بأن عمليات الخطف مقابل فدية، قد ولّت إلى غير رجعة بعد توقيف إسماعيل، على اعتبار أنه «المسؤول الأساسي عنها»، بحسب التقارير الأمنية.

لكن مع مرور الوقت، تبين أن «موضة» الخطف مقابل فدية لم تتوقف، وأنها تتصاعد منذ ذلك الحين. فلا تكاد تختتم إحداها، حتى تطل أخرى برأسها. والعمليات لا تستهدف سوى رجال الأعمال أو أصحاب المصالح التجارية المزدهرة، سواء كانوا لبنانيين أو أجانب، ذلك أن الغاية من كل ذلك الفدية المالية الكبيرة لقاء تحرير المخطوفين.
ويرى مسؤول أمني أن هذه العمليات جاءت «بديلاً من سرقة السيارات والتفاوض مع أصحابها على إعادتها لهم مقابل مبلغ مالي، وبعيداً عن عيون القوى الأمنية». وأوضح أن عمليات الخطف ارتفعت وتيرتها بشكل لافت بعد «الأحداث الأمنية المتنقلة التي شهدتها بعض المناطق اللبنانية، وحال الفلتان الأمني في آب المنصرم»، لافتاً إلى أنها تتركز في البقاعين الأوسط والغربي، مع بعضها في بيروت والمناطق المحيطة بها.
فؤاد داوود ابن مدينة زحلة (53 عاماً) خطف منذ ثمانية أيام على أيدي مجهولين على طريق رياق ــ بعلبك الدولية، واقتيد إلى مكان مجهول. دهمت الأجهزة الأمنية جرود مزارع بيت مشيك ودار الواسعة واليمونة، بالإضافة إلى بريتال وحورتعلا، ثم بعض أحياء بعلبك، بحثاً عنه، لكن من دون جدوى.

الخاطفون من جهتهم اتصلوا بزوجة داوود، وطلبوا منها دفع فدية قيمتها 250 ألف لقاء تحريره. ولأن عائلة داوود الذي يعمل تاجر قطع سيارات لا تملك هذا المبلغ الكبير، كان قرارها بالتحرك مع الأقارب والأصدقاء. نزلوا إلى الشارع على مدى اليومين الماضيين، قطعوا خلالها الطريق الدولية في زحلة لبعض الوقت، مطالبين الأجهزة الأمنية بتكثيف جهودها للعثور عليه وتحريره. وللغاية نفسها، عقد اجتماع في مطرانية سيدة النجاة في زحلة حضره ممثلون عن الأحزاب والقوى السياسية والدينية والبلدية والاختيارية في زحلة وجمعية تجار المدينة، وقرروا الإضراب العام اليوم احتجاجاً على خطف داوود. إلى أن جاءت البشرى مساءً بتحريره على يد الجيش في منطقة التل الأبيض ــ بعلبك، وذلك بعد اشتباك مع الخاطفين.

داوود ليس آخر المخطوفين ضمن موضة الخطف مقابل فدية مالية التي بدأت منتصف آذار2011 تاريخ اختطاف الأستونيين السبعة واستمرت بعد تحريرهم. فما إن عاد يوسف بشارة الذي خطف من بصاليم، إلى عائلته بعد دفع الفدية وقيمتها 400 ألف دولار، حتى أقدم مجهولون ليل أول من أمس على طريق بلدة غزة في البقاع الغربي على اعتراض سيارة المغترب علي أحمد منصور (73 عاماً)، واقتياده إلى جهة مجهولة. ومنصور أحد أبناء بلدة غزة، وأشقاؤه من كبار رجال الأعمال اللبنانيين المغتربين، وتبرز أهميته بالنسبة إلى الخاطفين بالنظر إلى قيمة الفدية المالية التي طالبوا بها، والتي بلغت 15 مليون دولار.
وفي شتورة أيضاً، خطف السوري حسام يحيى خشروم (المشهداني ـ 42 عاماً)، في وضح النهار بتاريخ 16 آب الفائت على أيدي أربعة مسلحين من موقف سيارات في شتورة، ليطلق بعد أن قضى ثمانية أيام لدى الخاطفين، وبعد أن دفعت عائلته مبلغ 60 ألف دولار كفدية مالية للخاطفين. أما المواطن الكويتي عصام الحوطي الذي خطفه من أمام منزله في حوش الغنم ــ رياق أربعة مسلحين طالبوا بفدية مقدارها مليونا دولار، فقد حُرِّر بعد ثلاثة أيام من اختطافه بمسعى من الرئيس بري ومن دون دفع الفدية. أما جورج وطوني سعادة اللذان خطفا على طريق العام لدير الأحمر، فقد أطلقا بعد ساعات، حيث تبين أن خطفهما كان نتيجة خلافات مالية مع الخاطفين.

مسؤول أمني أكد لـنا أن القوى الأمنية «ستواصل ملاحقة الخاطفين لتوقيفهم وإحالتهم على القضاء المختص». وأكد مسؤول آخر أن القوى الأمنية باتت تعرف هوية منفذي معظم عمليات الخطف، وانهما ينقسمان إلى عصابتين تتعاونان أحياناً. ولفت المسؤول إلى أن القرار الأمني والسياسي يقضي بتوقيف أفراد هاتين العصابتين «مهما كان الثمن».
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد اجتمع في السرايا بوزيري الداخلية والبلديات مروان شربل والعدل شكيب قرطباوي، وجرى تناول حوادث الخطف. وشدد ميقاتي على أن هذه الظاهرة «تضرب هيبة الدولة والاستقرار الأمني في الصميم، ولا يمكن بالتالي التساهل فيها مهما كانت الظروف، لذلك فإن على الأجهزة الأمنية المختصة اتخاذ أقسى التدابير الأمنية والإجراءات الوقائية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث». أما شربل فقد أعلن أنه خلال سبعة أيام ستتوقف عمليات الخطف نهائياً.  

السابق
الشؤون الاجتماعية تطلق حملة لا للعنف ضد الأطفال
التالي
واشنطن تستعجل تسوية مع طهران